
نعم لا مستقبل للعرب من دون وحدة وتضامن

إننا نعول بعد الله سبحانه على قوى الأمة العربية في مختلف الأقطار للتحرك بهذا المشروع والتقدم به على الأرض بدل أن يترك لفئة محدودة من الأشخاص والمثقفين، أو أن يكون مجرد شعارات سياسية توظف من طرف بعض الحكومات العربية...
نعم لا مستقبل للعرب من دون وحدة وتضامن
لسنا مبالغين إذا قلنا إن من أخطر الظواهر التي صاحبت تاريخ العرب الحديث هي ظاهرة الانقسام والشرذمة السياسية الناتجة عن تشكل أوضاع التجزئة العربية . فحالة التجزئة هذه حولت المنطقة العربية والإسلامية إلى كيانات سياسية كسيحة ومقطوعة الأوصال عن بعضها البعض، ليس فقط على مستوى العوازل الجغرافية وما يسمى بـ "الحدود الوطنية"، بل على مستوى التوجهات الثقافية والسياسات التعليمية ونوعية الارتباطات الخارجية، بما جعل الأقطار العربية بالغة الوهن والضعف ليس فقط مقارنة بالدول الصناعية الكبرى ذات البأس العسكري والاقتدار العلمي والسطوة العالمية بل حتى مقارنة بدول الجوار الإسلامي مثل إيران وتركيا اللتين باتتا تسجلان نجاحات ملموسة ومتزايدة مقابل غياب عربي شبه كامل. ومما لا شك فيه أن أكثر الظواهر خطورة التي رافقت عملية الانقسام هذه، ظهور سياسات ثقافية من طبيعة انعزالية عملت نخب الحكم على ترسيخها وترويجها، حيث يسعى كل قطر عربي إلى ترسيخ هوية محلية منغلقة على نفسها بالاستناد إلى دعاوى تاريخية موهومة ومجزأة عن سياقاتها العامة غالبا، ولا غرو أن أكثر العوامل التي تساعد العرب على تواصل بنيانهم وشد نسيجهم العام، أي الثقافة العامة واللغة، كثيرا ما تصبح مغذية للتباعد وحتى التدابر بسبب عملية العبث التي تمارسها نخب الحكم المدفوعة بأنانيتها واستهتارها.
ليس من قبيل التجني القول بأن حالة الفشل الشامل الذي يعانيه العرب إن كان ذلك على صعيد الثقافة والتعليم أم على صعيد الاقتصاد و السياسة، وهذا الركام المتناسل من الأزمات بما في ذلك عودة الاحتلال الأجنبي المباشر الذي ظن العرب أنهم قد تخلصوا منه إلى غير رجعة، وحالة الانقسام الطائفي والعرقي، كلها نتيجة طبيعية ومتوقعة لغياب مشروع الوحدة التكامل العربيين الذي من شأنه أن يؤمن الحد الأدنى من مصالح العرب فرادى ومجتمعين، ويجعهم أقدر على معالجة أزماتهم المحلية والإقليمية ومواجهة المخاطر التي تعصف بهم وتتهدد كيانهم في الصميم.
لقد خلقت التجزئة العربية وضعا بالغ التشوه والوهن، ومن ذلك أن الدول العربية التي تمتلك قدرا من الثقل البشري لا تمتلك ما يكفي من الثروات والإمكانات الطبيعية والمالية التي تساعدها على النهوض والتنمية، وعلى العكس من ذلك فإن الأقطار العربية التي تتوفر على الثروات الطبيعية (خاصة النفط والغاز) لا تمتلك العمق البشري المطلوب الذي يسمح لها بالتنمية الحقيقية والمتوازنة، بما يجعل الأقطار العربية في أمس الحاجة إلى بعضها حتى من جهة المصالح والمنافع التي تخص كل قطر عربي على حدة قبل أن نتحدث عن المصلحة الجماعية العربية ، فهل منا من يشك مثلا، في أن حل مشكلة الصحراء المزمنة بين المغرب والجزائر لا يساعد البلدين على التعافي وتحسين المستوى الاقتصادي والمعيشي لأبناء هذين القطرين المغاربيين؟ وهل ثمة من يشك بأن التكامل الخليجي ليس مفيدا و نافعا لعموم دول الخليج العربي؟ أو أن التعاون المصري السوداني ليس ضروريا وحيويا لتأمين مصالح البلدين ودرأ المخاطر التي تمس أمنهما الوطني في الصميم؟
التمست الكثير من النخب العربية في انكسار المشروع القومي، ثم أزمة الخليج الثانية وما تمخض عنها من تصرم عربي، مبرراً كافيا للكفر بالخيار الوحدوي جملة وتفصيلاً وغسل يديها من كل أشكال التكامل العربي بدعوى أنه من مخلفات التطور وجمود الفكر والسياسة. بل أكثر من ذلك نزع بعضها إلى تأسيس مشروعية الانخراط في روابط إقليمية أخرى كالرابطة الأوسطية أو الأوروبية، مثلاً، وترذيل حتى ما هو قائم من كيانات تضامنية عربية وإسلامية ما زالت على ضعفها تشكل رمزاً للتواصل والتآزر العربي والإسلامي، كالجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، واتحاد المغرب العربي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها.
يجب الاعتراف هنا بأن الذي أوصل العرب إلى هذه الهوة السحيقة والمظلمة، من النزاعات الطائفية والعرقية، وهن الفشل التنموي والأمية والفقر وضعف القدرات العلمية والبحثية وفقدان الريح والمكانة الدولية هي حالة الانقسام وغياب المشروع العربي الجامع وليس الوحدة والتضامن. فالعرب لا يمكنهم دخول التاريخ ولا ترك أثرهم في الجغرافيا إن هم ظلوا متشبثين بهذه الأوعية السياسية الهشة تحت دعاوى الوطنية المزيفة ومن دون تكامل سياسي واقتصادي وثقافي بينهم، وهذا ما يجعل من مشروع التكامل العربي ضرورة ملحة لإنقاذ الدولة العربية نفسها من أزماتها الداخلية، وإمعانها في السقوط إلى الهاوية.
المطلوب هنا إعادة فكرة العروبة إلى نصابها الصحيح باعتبارها رابطة سياسية ولغوية عامة وتجريدها من كل الاعتبارات الإيديولوجية أو العقدية التي تلبست بها لاحقا، فالعروبة ليست عقيدة ولا إيديولوجيا بل هي رابطة سياسية مفتوحة يحتاجها العرب والمسلمون للنهوض بوضعهم وتدارك وهنهم ، فضلا عن الاستجابة لمقتضيات عصرهم. العرب على ما يقول ابن خلدون هم مادة الإسلام ومعدنه، ولا يمكن تصور عودة المسلمين أصلا إلى السيادة والعزة من دون تشكل النواة العربية التي أكرمها الله بحمل لواء لغة القرآن والخروج برسالته إلى العالمين.
نعم الوحدة الإسلامية كمطلب عام أمر مطلوب ومرغوب فيه ولكن أنى لهذه الوحدة الإسلامية أن تتحقق في الوقت الذي لا يقدر العرب وهم الأقرب إلى بعضهم بواقع الجغرافيا واللغة والمصالح على لم شتاتهم وتوحيد صفهم.
نحن في أمس الحاجة اليوم إلى العودة إلى البديهيات الأولى التي تم التشكيك فيها والتشويش عليها، وهي أنه لا مستقبل للعرب، بل للمسلمين، ولا أمل لهم في نهضة وعزة وتقدم من دون تضامن ووحدة، وهذا الأمر يحتاج أولا وقبل كل شيء إلى إعادة بناء الوعي العام بأهمية التكامل والوحدة العربيين وخطورة الانقسام والتجزئة، وثانيا تشكيل رأي عام ضاغط ومتحرك على الأرض لصالح هذا المطلب الاستراتيجي، وذلك في مواجهة حالة التشوه الفكري والسياسي التي طالت قطاعات واسعة من النخب العربية، ثم لمواجهة تفكك، أو لك أن تقول انهيار النظام الرسمي العربي، علنا نرتقي على الأقل إلى مستوى جيراننا الترك والإيرانيين الذين تزداد نجاحاتهم يوما بعد آخر بقدر ما تتعمق إخفاقاتنا وأزماتنا.
مشروع الوحدة والتكامل العربيين يمثل ضرورة وجودية للعرب، تطال مستقبلهم وأصل وجودهم بين الحياة أو الموت، وليس مجرد خيار إيديولوجي لهذه المجموعة أو تلك. كما أن هذا المشروع المستقبلي الطموح يقع على عاتق القوى السياسية والأهلية العربية وخصوصا قطاعات الشباب والمثقفين والمناضلين السياسيين من سائر التيارات لتوسيع الوعي العام بأهمية الوحدة والتضامن وتشكيل تيار عريض مسنود ومحاط برأي عام عربي ضاغط ومساند للوحدة والتضامن والتكامل العربي على جميع الواجهات والأصعدة. أولى مهام هذا التيار تتمثل في مواجهة حالة الانهيار العربي نتيجة العجز عن مواجهة المخاطر الاستراتيجية الكبرى التي تعصف بالأمة العربية وفي مقدمتها استفحال المشروع الصهيوني وتفاقم التدخل الخارجي، بل عودة الاحتلال الأجنبي إلى الرقعة العربية الإسلامية، وهي نتيجة طبيعية لحالة التفكك العربي وغياب الرؤية والمشروع خاصة لدى الأقطار العربية الكبرى والفاعلة في السياسة العربية، هذا إلى جانب انشغال الحكام العرب باسترضاء قوى الخارج على حساب المصالح القومية والوطنية العربية للحفاظ على مواقعهم في السلطة وتوريثها للأبناء والأحفاد. ثانيا تجميع طاقات الأمة وتوحيد جهودها الشعبية في مختلف الأقطار العربية لتحويل مشروع الوحدة والتكامل حقيقة ملموسة تنهض بها الشعوب والقوى الأهلية بدل التعويل على الحكومات والهيئات الرسمية الكسيحة والمكبلة بحساباتها السياسية وكثرة الانقسامات العربية.
إننا نعول بعد الله سبحانه على قوى الأمة العربية في مختلف الأقطار للتحرك بهذا المشروع والتقدم به على الأرض بدل أن يترك لفئة محدودة من الأشخاص والمثقفين، أو أن يكون مجرد شعارات سياسية توظف من طرف بعض الحكومات العربية. هذا المشروع مبسوط لكل طاقات الأمة وكل فئاتها من القوميين والإسلاميين والوطنيين وكل الغيورين والموجوعين بما يصيب هذه الأمة من علل وأمراض، كما أننا نعول على جميع طاقات الأمة وكل فئاتها وخصوصا الشباب والمثقفين والمناضلين السياسيين ونحن متأكدين أن رغم كل عمليات التشويش وتحريف الوعي مازال الشعور الغالب هو ان هذه الأمة واحدة يترابط مصيرها ومصالحها وتتحد أشواقها وتطلعاتها.
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا (آل عمران: 103)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق