Powered By Blogger

الثلاثاء، 22 يونيو 2010

Bookmark and Share
التحليل الاخباريالتواصل الأميركي و الهرب من المواجهة 
 2010-06-22   
  


 
غالب قنديل : وكالــة أخبار الشرق الجـــديد
أواخر الأسبوع الماضي اتصل بي الزميل جورج عون و هو يقدم برنامجا حواريا أسبوعيا على شبكة ANB  التلفزيونية اسمه " وجها لوجه " و يبث بصورة حية على هواء المحطة في التاسعة من مساء كل خميس .
 أبلغني الزميل المتصل بأنه يدعوني للمشاركة في حلقته التالية و هي مخصصة لمناقشة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط و ذكر لي أن الشخص المقابل الذي سيواجهني في النقاش هي ناطقة في الخارجية الأميركية ، فقبلت الدعوة و شكرت صاحبها كالعادة .
في الموعد المتفق عليه و بعد ساعات من عودتي إلى بيروت قادما من الدوحة قصدت استوديوهات المحطة و دخلت إلى قاعة الاستقبال فوجدت الزميل عون محاطا بثلاثة وجوه شمعية متجهمة بينها سيدة قدمها لي الأستاذ عون بالسيدة آن التي لم تكن سوى نائبة مدير مكتب التواصل الأميركي في دبي الذي أسسه آدم إيرلي و هو مكتب جرى إنشاؤه تحت عنوان إستراتيجية تحسين الصورة الأميركية في المنطقة و قد اختير له عدد من الموظفين الأميركيين الذين درسوا اللغة العربية و رصدت بتصرفه موازنات طائلة لشراء إعلاميين و كتاب و وسائل إعلام من مختلف الفئات و لتنظيم حملات تسويق للسياسة الأميركية في المنطقة بشتى الأدوات الإعلانية  و الإعلامية ، و هذا المكتب هو الذي صرف موازنة النصف مليار التي كشف عنها جيفري فيلتمان في الكونغرس مؤخرا و قال إنها أنفقت في لبنان لتشويه سمعة حزب الله و للحد من نفوذه خلال سنوات الانتداب السامي الأميركي الذي مارسه السيد جيفري فيلتمان من عوكر ، أما مرافقا المتحدثة الأميركية الآخران فأحدهما معاونها في دبي  و الثاني من طاقم القسم الإعلامي في السفارة الأميركية في لبنان .
خيم صمت مفاجئ عند دخولي ، على مسافة دقائق من موعد بث البرنامج ، قطع  الزميل عون ذلك الصمت بعدما رحب بي ، فأبلغني بأن السيدة آن لديها ارتباطات داهمة تحتم عليها المغادرة على عجل و أنه لهذا السبب ، اضطر إلى توزيع الحلقة على قسمين متساويين بيني و بين ضيفته التي ستدلي بدلوها ثم تغادر ليتابع حواره معي .
للحظات راودتني فكرة الاعتذار عن المشاركة في الحلقة ، و عدم القبول بهذا التغيير المخالف للقواعد المهنية أو التسليم بتبريرات واهية و غير مقنعة ، و بدا لي الزميل عون نفسه غير مقتنع في عرضه لها كما فهمت من نبرة صوته و ملامح وجهه ، عدا عن تفهمي لشعوره الكامن بإحباط مهني كان واضحا للغاية ، فقد فاتته فرصة تقديم حلقة " حامية " تجذب اهتمام المشاهدين و متابعتهم ، بالنظر لحجم التناقض و الاختلاف بين الضيفين اللذين دعاهما للحضور ، فأهل المهنة و حتى المتابعون العاديون يعلمون أن قوة البرامج الحوارية ترتبط بوجود المتحدثين المختلفين في الرأي وجها لوجه كما هي تسمية برنامجه.
استدركت بسرعة و قد ارتسمت في رأسي  خطة خاصة للتعامل مع الموقف ، و أجبت بأنه لا مانع لدي من قسمة الوقت مناصفة و من ظهور المتحدثة الأميركية في النصف الأول ، و قد تابعت حديثها التسويقي المضجر عبر شاشة في صالة الاستقبال ، بينما هي غادرت توا مع زميليها مسرعين بمجرد انتهاء الوقت المحدد لها من الحلقة.
بعد فاصل قصير ، باشر الزميل عون حديثه معي سائلا عن تعليقي على كلام المتحدثة الأميركية التي سبقتني ، فاستمهلته و نفذت ما عزمت عليه ، فأجبت على سؤاله بطريقتي و قلت له على الهواء مباشرة ، إننا ملزمون بأن نشرح للمشاهدين ما حصل ، فقد قدمت إدارة أوباما نموذجا صارخا عن هروبها المتواصل من النقاش الحر، و عن تصميمها على السلوك الاستعماري الذي يتعامل مع شعوبنا بلغة معلبة و باستعلاء نرفضه كليا ، ورويت ما حصل بيني و بين الزميل عون و استنتجت أن الأميركيين طلبوا  تعديل هيكلية الحلقة لأنهم يخافون من النقاش وجها لوجه كما يوحي اسم البرنامج  ، بينما نحن المختلفون معهم لا نخشى مباراة الأفكار لأننا واثقون من صحة خياراتنا و مواقفنا ، و أن الولايات المتحدة مع باراك أوباما هي ذاتها الدولة الاستعمارية التي تجتر خطابها التبريري الغبي على مسامع شعوب المنطقة و هي تكذب حين تتحدث عن الحوار لأنها عمل لتسويق أكاذيبها التي سرعان ما تنهار أمام الوقائع .
و على الرغم من محاولة الزميل عون مقاطعتي للتصريح بأنه يتحمل شخصيا مسؤولية التغيير في ترتيب الحلقة ، فقد أجبته بإصرار على  قراءتي لحقيقة ما حصل و هي أن الطلب كان أميركيا عندما علموا بهوية الجهة المقابلة فقرروا الهروب من المواجهة لأنهم عاجزون عن الإقناع و عن مقارعة الحجة بالحجة.
في تعليقي على طلب الزميل عون لرأيي بما أدلت به المتحدثة الأميركية أجبته بكل وضوح بأنني لست موجودا للرد على كلام بليد و غبي كالذي استمعت إليه من هذه الموظفة الأميركية ففيه تكرار ممل و سطحي لبيانات صحافية نقرأها كل يوم بينما المطلوب هو مناقشة السياسة الأميركية في المنطقة و قد قمنا معا بجولة حوارية على مدى الوقت المخصص لنصف الحلقة المتبقي عرضت فيها آرائي المعروفة عن نهج الإدارة الأميركية الاستعماري المبني على محورية الدور الإسرائيلي في المنطقة و عن تخبطها في مستنقعات الفشل كنتيجة لتبلور معادلات جديدة فرضتها قوى المقاومة و التحرر في المنطقة .
أردت من هذه الوقائع ان أقدم للقراء نموذجا عن العقل السياسي و السلوك الإعلامي لإدارة أوباما و عن منهجها في ممارسة الحوار الذي تبث الكثير من الدجل  عنه في شتى أرجاء العالم  و خصوصا في منطقتنا العربية.
  وكالة اخبار الشرق الجديدBookmark and Share 

ليست هناك تعليقات: