بدع مفكري المستقبل في مجابهة حزب الله
غالب قنديل
لغة التحريض الطائفي والمذهبي التي غلبت على خطب قوى 14 آذار خلال الأسابيع الماضية لم تكن التعبير الوحيد الذي استقطب الاهتمام وأثار نقاشات واعتراضات واسعة، فقد توقف بعض المحللين المناصرين لقوى 14 آذار عند السطحية التي تميزت بها مساهمات بعض مدعي الثقافة الذين مارسوا التذاكي لينتهوا إلى خلاصات و شعارات تخدم خطاب التحريض بصورة بدت أدهى وأمر مما ورد في خطب أبو العبد كبارة التي شكلت أشد أنواع دعوات الفتنة إثارة للاستفزاز.
النائب السابق الدكتور مصطفى علوش الذي يعتز بتاريخه في تنظيمات المقاومة الفلسطينية والتشكيلات اللبنانية الملحقة بها والذي ما يزال يحمل بعضا من ترسبات الثقافة اليسارية قام بإنتاج بدعة فكرية حملت توقيعه ، عندما ألبس حزب الله ثوب الفاشية دفعة واحد.
هذه العملية تنم عن جهل فكري وثقافي كما قال أحد الكتاب المتحمسين لثورة الأرز في مقال نشرته جريدة الحياة فالفاشية تحديد علمي يتصل بتعبيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية تميزت بها الحركات التي ظهرت في أوروبا بعد الأزمة المالية الكبرى عام 29.
حزب الله ليس له مشروع سياسي خارج نطاق اتفاق الطائف كما تبين جميع الأدبيات والمواقف السياسية والعملية التي اتخذها الحزب في السنوات الأخيرة على وجه الخصوص، هذا مع العلم أن الحزب الذي اتهمه "المفكر" علوش بممارسة الإرهاب الفكري على الآخرين يتوسل لغة الحوار والنقاش في جميع قضايا الاختلاف ويحتكم إلى مؤسسات النظام اللبناني الطائفي وكون الحزب حركة مقاومة وتحرر وطني في مواجهة العدو الإسرائيلي يعطيه ميزة متقدمة عن سائر الأطراف السياسية اللبنانية ومنها تيار المستقبل الذي ينتمي إليه السيد علوش وهو تيار لا يملك من مجد المشاركة في المقاومة شيئا غير ما قام به الرئيس الراحل رفيق الحريري من دور سياسي منذ العام 1992 تحت سقف الرعاية السورية لخيار المقاومة والصمود وتاريخ التيار بعد الحريري الأب في الموقف من الصراع مع إسرائيل تشهد به حرب تموز وانجازات السنيورة الإستراتيجية.
السطحية والتلفيق هما الميزة الحاسمة في أطروحة مصطفى علوش وللمصادفة فهما من الميزات الأصيلة كما يعلم المثقفون والخبراء في تكوين الخطاب الديماغوجي للفاشيين.
و إلصاق تهمة الفاشية بحزب الله ليس بعيدا عن اصطلاح الظلامية الذي أبدعه مفكر اليسار القديم محسن ابراهيم و بعض المعجبين به في الحزب الشيوعي اللبناني ، ممن لم يراجعوا حساباتهم على الرغم من الدور الطليعي للمتهمين الظلامية في مقاومة إسرائيل و كيل الهزائم لجبروتها العسكري و لطغيانها الاستعماري ، و لعل في ذلك ما يضاعف غيظ أركان اليسار الديمقراطي المتحالف مع المستقبل و الذين سبق لهم أن عقد هدنة مع إسرائيل بوساطة بلغارية في الثمانينات ، بعد غارة الرميلة الشهيرة ثم زعم أن سوريا و حزب الله منعاه عن المقاومة !
الأطروحة العبقرية الثانية التي تفتحت في تيار المستقبل مصدرها وزير داخلية تموز 2006 الدكتور احمد فتفت الذي استنتج ببلاغة ملفتة أن أي مس بالمحكمة الدولية هو دليل على أن حزب الله يريد قلب النظام اللبناني، ولم يشرح فتفت لقرائه الشغوفين ومتابعيه المحبين كيف وصل إلى استنتاجه.
فالنسبة لأي عاقل في هذا الكون الفسيح ، إن محكمة دولية يتحكم بها مجلس الأمن وتقع في قبضة النفوذ الأميركي لا يمكن أن تكون إلا جزءا من نظام وصاية أجنبي يفرض على البلد، وهذه المحكمة الخاصة بلبنان بالذات ، باتت سيرتها مع التسريبات والشبهات والتحكم بمواعيد إصدار قرارها من قبل العواصم الدولية الفاعلة، تشبه كل شيء إلا العدالة ، أما اعتبارها ركيزة للنظام اللبناني فلا يعني سوى أن السيد فتفت يدعو اللبنانيين إلى العمل لفرض نظام إرهاب تديره الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية وبالتأكيد لا يمكن إلا في مثل ذلك النظام أن ينجو بجلده من المحاسبة وزير أو مسؤول يصدر الأمر لضابط في إحدى الثكنات اللبنانية بأن يوفر الحماية لقوة عسكرية إسرائيلية هاربة من جحيم المعارك مع المقاومة وأن يعاملها بكرم الضيافة ( بالشاي ) وأن يسلم لقائدها مفاتيح مخازن السلاح الذي يؤتمن عليه العسكريون ليدافعوا عن شرف بلادهم وشعبهم.
إنها نماذج لطرق التعامل الثقافي والسياسي التي يعتمدها قادة تيار المستقبل في تبرير دفاع مستميت عن صيغة انتداب أجنبي يراد فرضها على لبنان.
اللجوء إلى هذه الوسائل هو نتيجة طبيعية للعجز عن التقدم بأي رد منطقي في النقاش مع المعارضة حول شهود الزور الذين اعترف بهم زعيم التيار ورئيس الحكومة أو حول تسييس التحقيق والمحكمة، في حين أن منظري المستقبل لم يستطيعوا أن يقدموا قرينة واحدة تسند اتهامهم المزمن لحزب الله بالسعي إلى انقلاب يغير النظام الطائفي القائم في لبنان فقد تساقطت تباعا جميع مزاعم المثالثة وملحقاتها أمام تمسك الحزب باتفاق الطائف الذي يصيح المستقبليون احتفالا به ليل نهار ويتهمون الآخرين بالسعي إلى قلبه، بينما هم الذين هشموه في التطبيق والممارسة من أجل عيون المشروع الأميركي عندما خربوا العلاقة بسورية وتنكروا للمقاومة ولموقع لبنان من الصراع مع العدو الإسرائيلي وعندما اغتصبوا صلاحيات رئاسة الجمهورية.

غالب قنديل
لغة التحريض الطائفي والمذهبي التي غلبت على خطب قوى 14 آذار خلال الأسابيع الماضية لم تكن التعبير الوحيد الذي استقطب الاهتمام وأثار نقاشات واعتراضات واسعة، فقد توقف بعض المحللين المناصرين لقوى 14 آذار عند السطحية التي تميزت بها مساهمات بعض مدعي الثقافة الذين مارسوا التذاكي لينتهوا إلى خلاصات و شعارات تخدم خطاب التحريض بصورة بدت أدهى وأمر مما ورد في خطب أبو العبد كبارة التي شكلت أشد أنواع دعوات الفتنة إثارة للاستفزاز.
النائب السابق الدكتور مصطفى علوش الذي يعتز بتاريخه في تنظيمات المقاومة الفلسطينية والتشكيلات اللبنانية الملحقة بها والذي ما يزال يحمل بعضا من ترسبات الثقافة اليسارية قام بإنتاج بدعة فكرية حملت توقيعه ، عندما ألبس حزب الله ثوب الفاشية دفعة واحد.
هذه العملية تنم عن جهل فكري وثقافي كما قال أحد الكتاب المتحمسين لثورة الأرز في مقال نشرته جريدة الحياة فالفاشية تحديد علمي يتصل بتعبيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية تميزت بها الحركات التي ظهرت في أوروبا بعد الأزمة المالية الكبرى عام 29.
حزب الله ليس له مشروع سياسي خارج نطاق اتفاق الطائف كما تبين جميع الأدبيات والمواقف السياسية والعملية التي اتخذها الحزب في السنوات الأخيرة على وجه الخصوص، هذا مع العلم أن الحزب الذي اتهمه "المفكر" علوش بممارسة الإرهاب الفكري على الآخرين يتوسل لغة الحوار والنقاش في جميع قضايا الاختلاف ويحتكم إلى مؤسسات النظام اللبناني الطائفي وكون الحزب حركة مقاومة وتحرر وطني في مواجهة العدو الإسرائيلي يعطيه ميزة متقدمة عن سائر الأطراف السياسية اللبنانية ومنها تيار المستقبل الذي ينتمي إليه السيد علوش وهو تيار لا يملك من مجد المشاركة في المقاومة شيئا غير ما قام به الرئيس الراحل رفيق الحريري من دور سياسي منذ العام 1992 تحت سقف الرعاية السورية لخيار المقاومة والصمود وتاريخ التيار بعد الحريري الأب في الموقف من الصراع مع إسرائيل تشهد به حرب تموز وانجازات السنيورة الإستراتيجية.
السطحية والتلفيق هما الميزة الحاسمة في أطروحة مصطفى علوش وللمصادفة فهما من الميزات الأصيلة كما يعلم المثقفون والخبراء في تكوين الخطاب الديماغوجي للفاشيين.
و إلصاق تهمة الفاشية بحزب الله ليس بعيدا عن اصطلاح الظلامية الذي أبدعه مفكر اليسار القديم محسن ابراهيم و بعض المعجبين به في الحزب الشيوعي اللبناني ، ممن لم يراجعوا حساباتهم على الرغم من الدور الطليعي للمتهمين الظلامية في مقاومة إسرائيل و كيل الهزائم لجبروتها العسكري و لطغيانها الاستعماري ، و لعل في ذلك ما يضاعف غيظ أركان اليسار الديمقراطي المتحالف مع المستقبل و الذين سبق لهم أن عقد هدنة مع إسرائيل بوساطة بلغارية في الثمانينات ، بعد غارة الرميلة الشهيرة ثم زعم أن سوريا و حزب الله منعاه عن المقاومة !
الأطروحة العبقرية الثانية التي تفتحت في تيار المستقبل مصدرها وزير داخلية تموز 2006 الدكتور احمد فتفت الذي استنتج ببلاغة ملفتة أن أي مس بالمحكمة الدولية هو دليل على أن حزب الله يريد قلب النظام اللبناني، ولم يشرح فتفت لقرائه الشغوفين ومتابعيه المحبين كيف وصل إلى استنتاجه.
فالنسبة لأي عاقل في هذا الكون الفسيح ، إن محكمة دولية يتحكم بها مجلس الأمن وتقع في قبضة النفوذ الأميركي لا يمكن أن تكون إلا جزءا من نظام وصاية أجنبي يفرض على البلد، وهذه المحكمة الخاصة بلبنان بالذات ، باتت سيرتها مع التسريبات والشبهات والتحكم بمواعيد إصدار قرارها من قبل العواصم الدولية الفاعلة، تشبه كل شيء إلا العدالة ، أما اعتبارها ركيزة للنظام اللبناني فلا يعني سوى أن السيد فتفت يدعو اللبنانيين إلى العمل لفرض نظام إرهاب تديره الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية وبالتأكيد لا يمكن إلا في مثل ذلك النظام أن ينجو بجلده من المحاسبة وزير أو مسؤول يصدر الأمر لضابط في إحدى الثكنات اللبنانية بأن يوفر الحماية لقوة عسكرية إسرائيلية هاربة من جحيم المعارك مع المقاومة وأن يعاملها بكرم الضيافة ( بالشاي ) وأن يسلم لقائدها مفاتيح مخازن السلاح الذي يؤتمن عليه العسكريون ليدافعوا عن شرف بلادهم وشعبهم.
إنها نماذج لطرق التعامل الثقافي والسياسي التي يعتمدها قادة تيار المستقبل في تبرير دفاع مستميت عن صيغة انتداب أجنبي يراد فرضها على لبنان.
اللجوء إلى هذه الوسائل هو نتيجة طبيعية للعجز عن التقدم بأي رد منطقي في النقاش مع المعارضة حول شهود الزور الذين اعترف بهم زعيم التيار ورئيس الحكومة أو حول تسييس التحقيق والمحكمة، في حين أن منظري المستقبل لم يستطيعوا أن يقدموا قرينة واحدة تسند اتهامهم المزمن لحزب الله بالسعي إلى انقلاب يغير النظام الطائفي القائم في لبنان فقد تساقطت تباعا جميع مزاعم المثالثة وملحقاتها أمام تمسك الحزب باتفاق الطائف الذي يصيح المستقبليون احتفالا به ليل نهار ويتهمون الآخرين بالسعي إلى قلبه، بينما هم الذين هشموه في التطبيق والممارسة من أجل عيون المشروع الأميركي عندما خربوا العلاقة بسورية وتنكروا للمقاومة ولموقع لبنان من الصراع مع العدو الإسرائيلي وعندما اغتصبوا صلاحيات رئاسة الجمهورية.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق