" نقلاً عن ليبيا المستقبل "
لقد مُنحت الفرصة لتيار الإسلام السياسي بأن يبرهنوا عن قيادتهم الرشيدة التي طالما صدعوا رؤوسنا بألفظاها، وعوضاً عن ذلك استغلوا هذه الفرصة أسوأ استغلال، فاثبتوا بأنهم لا يكونون مواطنين صالحين إلا عندما يقبعون في السجون، مع احترامي لبعضهم. حيث استطاعوا رغم قلة مؤيديهم أن يفرضوا حكم ممثليهم (كتلة الوفاء والعدالة والبناء)، فاحتكروا السلطة والمال لصالحهم بقوة الكتائب التي تدعمهم، وأهدرت المليارات في ظل سطوتهم، وأفسدوا المشهد السياسي، وقدموا لليبيا وجهاً بشعاً شوه صورتها في العالم. هذه الصورة عبرت عنها بعض شهادات الخبراء ومراكز البحوث العالمية.
حيث نشرت صحيفة (لفيقاروه) الفرنسية تقريراً في وقت سابق جاء فيه: "العمليات العسكرية للتحالف في ليبيا عام 2011، كانت ناجحة، ولكنها وضعت البلاد في نفق مظلم، والصراع لا يزال مستمراً". وهذا ما يؤكده الخبير الاستراتيجي (صموئيل لورانس) لصحيفة (لوموند) الفرنسية بقوله: "في ليبيا يسود مناخ سيئ للغاية"، ويضيف (وليام لورانس) لنفس المصدر: "البلاد تعيش حالة من الفوضى".
وقد ابدع السيد/ نعمان بن عثمان الباحث الليبي في الحركات الإسلامية المسلحة، عندما اختصر حقبة من الزمن في سويعات وهو ويعرف بهذه الجماعات، على احدى القنوات. فلقد أجاد وصف حالهم ومآلات تطبيق أفكارهم ومنهجهم الذي لا يقبل غيرهم.
اليوم الموافق 31/ 5/ 2014، يقول المنسق الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب، على قناة العربية: "إن الاتحاد الأوروبي قلق جداً من تحول ليبيا إلى قاعدة لتدريب المجاهدين وعبورهم نحو سوريا، كما أنها صارت تزعزع أمن جيرانها من خلال الأسلحة المتدفقة عبر حدودها. وأكد بأن أوروبا لن تسمح بوجود بؤرة للإرهاب على حدودها الجنوبية، لأنها تهدد أمنها".
وهذا ملخص لبعض ما أحدثته مجموعات تيار الإسلام السياسي المسلح وامتداداتهم في المؤتمر الوطني، ومفاصل الدولة الأمنية من فساد، مدعوماً بالشهادات وهي كالتالي:ـ
1ـ عملوا منذ اليوم الأول ما بعد الثورة على عرقلة تفعيل مؤسستي الجيش والشرطة، وعوضوا عنها بمسميات ومصطلحات جديدة، اصبغوها بصبغة الثوار رغم أن أغلبهم ليسوا كذلك، هذه المصطلحات لم يشهد لها العالم المعاصر مثيلا. فوفقاً لتقديرات مؤسسة (ICG ) للأبحاث " فإن 95٪ من الميليشيات يعملون بمرتبات حكومية، ولكن دون مراقبة أو سيطرة حقيقية من الدولة على هذه المليشيات". ويضيف: (فنيست ديسبوغت): "إن التدخل العسكري الأوروبي في ليبيا عمل على سقوط نظام القذافي، ولكنه سمح بنشاط الجماعات الجهادية".
2 ـ افسدوا المشهد السياسي برمته، باعتمادهم أسلوب (الكولسة) وتقديم المصالح الخاصة على العامة، وأهملوا الجانب الأمني فدخلت البلاد في فوضى، حتى صارت تهدد أمن محيطها، وخصوصاً فيما يتعلق بتدفق الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا. الأمر الذي عبر عنه (فيليب ما غيني) عضو بمجلس الشيوخ الفرنسي على صفحته في (تويتر) عندما قال: "تدفق المهاجرين على لمبيدوزا، يجعلني نأسف على غياب نظام القذافي...!".
3 ـ كونوا كتل (تهريج) في المؤتمر الوطني فرضت القوانين بالقوة، ولم يتقيدوا باللوائح والقوانين المنظمة لعملهم، فكانت نتائج أفعالهم عكس توقعاتهم، وهذا دليل غبائهم. هذا الأخير عرفه العالم الشهير (انشتاين): "بأنه فعل نفس الشيء مراراً وبنفس الخطوات مع توقع نتائج مختلفة في كل مرة".....!!!، وهو ما ينطبق على حالهم.
4 ـ عملوا منذ البداية على عرقلة عمل الحكومة بعدما تيقنوا من عدم قدرتهم على اختراقها لصالحهم، فأفشلوها أمنياً حتى انفلتت الأوضاع من أيديهم، "فصارت ليبيا تعاني من مأزق، في غياب قوات دولية تؤمن ترسانة القذافي التي نهبت من قبل الجماعات الإسلامية، هذه الأسلحة صارت تهدد دول الساحل بأكملها ". يقول التقرير نفسه.
5 ـ سيطر تيار الإسلام السياسي على أغلب مفاصل الدولة عن طريق تنصيب عناصرهم الفاشلة، وكونوا سلسلة من الولاءات ترتبط بعضها ببعض في مختلف مؤسسات الدولة، فتحول مسؤولوهم من موظفي خدمة عامة إلى خدمة تيار الإسلام السياسي، وقد الحقوا الضرر بأغلب الموظفين الاكفاء الذين لا ينصاعون لهم، فحولوا البلاد إلى دولة فاشلة لا يطبق فيها أي قانون، وعمت الفوضى وانتشر الفساد إلى أبعد مداه.
6 ـ رغم أن الأحزاب الأخرى والمستقلين كانوا أكثر عدداً في المؤتمر الوطني، إلا أنهم استطاعوا تفكيكهم من الداخل أو ضمهم لكتلتهم، بعد أن حولوا المؤتمر الوطني إلى جحيم لا يطيقه وطني شريف.
7 ـ هيئوا المناخ المناسب بسياساتهم الرعناء لتكون ليبيا جاذبة للإرهاب.... حيث قال (دومينيك توماس): "بعض الكتائب الجهادية التي تكونت أعقاب الثورة في الشرق بين بنغازي ودرنة، بمنطقة الجبل الأخضر، المعقل التاريخي للتمرد الإسلامي ضد القذافي. كانت تدرب وترسل المتطوعين للجهاد في العراق وأفغانستان. وقد صارت مدينة درنة عاصمة محكومة ذاتياً تابعة للسلفيين والجهاديين. وميليشية أنصار الشريعة احدى هذه الجماعات".
8ـ عرضوا الأمن القومي للبلاد للخطر، مما يهدد بتدخل دولي قد يطول أمده....حيث كتب (انتوميون تسرون) مذكرة وجهها لمعهد (توماس مور) يقول فيها: "يجب التعاون مع شركاؤنا في المجتمع الدولي للقضاء على المجموعات الجهادية في ليبيا مثلما تم القضاء عليها في مالي". وقد ورد خبر عبر وسائل الإعلام قبل قليل، مفاده دخول قوات مشتركة (عربية فرنسية)، في جنوب ليبيا للقضاء على الجماعات الإرهابية المتمركزة هناك.
9ـ بعد أن استطاعوا فرط عقد قوى التحالف، واجبروهم على ترك المشهد السياسي، صار لليبيا ثلاثة رؤساء حكومة، نتيجة تلاعبهم باللوائح وعدم احترامهم للقوانيين وممارسة أساليب التدليس في تعاملهم.
10 ـ عملوا على تفتيت النسيج الاجتماعي للشعب الليبي، فضربوا القبائل بعضها ببعض، وكادوا أن يتسببوا بفصل الشرق عن الغرب. ففي هذا الصدد يعترف الجنرال (فنسنت ديسبوغت) بفشل المجتمع الدولي في تحقيق السلام بليبيا، حيث يقول: "الانتصار في الحرب الليبية حققناه تكتيكياً وخسرناه إستراتيجياً، فإذا كنّا قد حققنا الهدف العسكري، فإن السلام الذي توخيناه وهو تتويجاً للحرب ما يزال مفقوداً".
11ـ حولوا ليبيا إلى وكيل دولي لتجارة السلاح والمخدرات، وقد نجحوا إلى حد كبير في حماية هذا الوضع، تغطية لتمويل جماعات خارجية يتعاونون معها...... يقول أحد الباحثين في مؤسسة (ICG): "بعض من هذه المليشيات ضالعة في أعمال نقل وتجارة المخدرات". ويضيف صموئيل لورانس: "لقد أصبحت البلاد مكاناً لتفشي الجريمة".
12ـ لم تتقدم البلاد في ظلهم ولو خطوة واحدة، وحولوا 85 % من ميزانية الدولة إلى ميزانية تسييرية ، توزع في أكياس لغير مستحقيها، مما أثر على الاقتصاد بشكل سلبي. النسبة هذه أدلى بها نائب محافظ مصرف ليبيا المركزي في لقاء جمعنا بورشة عمل، يشرف عليها المصرف ذاته.
13 ـ حرضوا على وسائل الإعلام بعد أن وسموها (بإعلام الفتنة)، فقتل كثير من الإعلاميين، بسبب تأثيرهم وقدرتهم على نقل الصورة الحقيقية التي كشفت عوراتهم.
14ـ إنهم مصابون بفوبيا العناد، حتى أنهم مستعدون للذهاب إلى أقصى حد وهو الحرب الأهلية. ولهذا تجدهم متمسكون بالسلطة إلى حد يندى له الجبين، ونراهم يعودون للترشح في البرلمان القادم....!!! ولكم أن تتصوروا مستقبل ليبيا إذا نجحوا نتيجة عزوف الشعب.
15ـ تسببوا في عدة مجازر جماعية في بنغازي وطرابلس، مما زاد من احتقان الشعب بسبب سلوكهم. يقول (صموئيل لورانس): "لوحظ في ليبيا العديد من الاعتقالات وعمليات الخطف والتعذيب والقتل".
16 ـ في كل مرة كانوا يتحدون قوة الشعب، وإرادته ويسخرون من مظاهراته، ويصفونه بأقذع الأوصاف، كا (الخردة، والمأجور)، وقد اختطفوا الناشطين منه.
وبعد أن اسقطوا البلاد في هاوية العنف، فإننا نقول لقد حان موعد معاقبة كل من تسبب في هذه المأساة التي عصفت بالوطن، وذلك بإرجاعهم للسجون التي كانوا يقبعون فيها قبل ثورة فبراير، لأنهم لا يستحقون الحرية ـ مع احترامي الشديد ـ للمظلومين منهم، وإبعاد الفاشلين عن المشهد السياسي بعدم انتخابهم، حتى لا يفرضوا على البلاد التخلف بمنهجهم الظلامي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق