Powered By Blogger

الأربعاء، 2 يونيو 2010

Bookmark and Share
أردوغـان: إرهـاب دولـة ولـن نسـكـت 
تركيـا تصبـغ بحـر فلسطين بدمها: أول مواجهـة دمويـة بين أنقـرة وتل أبيب
متظاهرون يحرقون نجمة داوود الإسرائيلية امام القنصلية الإسرائيلية في اسطنبول أمس (أ ب)
محمد نور الدين
أُريق الدم في طريق العلاقات التركية الإسرائيلية للمرة الأولى منذ اعتراف تركيا بالدولة العبرية في العام 1949 عندما قامت إسرائيل أمس بعدوان مكشوف جواً وبحراً، وفي المياه الدولية، على سفينة «مرمرة الزرقاء» التركية، وأوقعت حوالى 19 شهيداً، بينهم 10 أتراك.
ويمثل العدوان الشرخ الأسوأ بين الدولتين باعتباره اعتداء صارخاً على السيادة التركية وعن سابق تصور وتصميم باستهدافه إحدى السفن التركية من دون غيرها في «أسطول الحرية» التابع لجنسيات أخرى لرفع الحصار عن غزة.
وأتى الحادث تتويجاً لسلسلة من التوترات المتصاعدة بين أنقرة وتل أبيب، غير انه يختلف عن كل سابقاته بصبغته الدموية التي ستستثير موقفاً تركياً كبيراً على مستوى الحدث وخطورته وما سيتركه من أثر سلبي على العلاقات التركية الإسرائيلية وفي جميع المجالات.
وإذا كان استدعاء السفير التركي من إسرائيل خطوة متواضعة، وإذا كانت أنقرة تتحرك أيضاً على مستوى اجتماع لمجلس الأمن الدولي، فإن ردة الفعل الفعلية ستظهر خلال الساعات والأيام المقبلة، وبما يتناسب مع طبيعة العدوان خصوصاً انه مسّ بصورة عميقة وعنيفة بالسيادة والكرامة التركية.
ولا يستبعد مراقبون أن تتخذ قرارات في اتجاه معاقبة إسرائيل على أكثر من صعيد، ومنها إبطال العديد من الاتفاقيات والمناقصات مع شركات إسرائيلية رسمية، وخاصة على الصعد الاقتصادية والعسكرية، من دون القطع في ما قد تؤول إليه مسألة العلاقات الدبلوماسية تخفيضاً أو قطعاً، أم أن الأمر سيقتصر على استدعاء السفير أو سحبه. ولن تكون المؤسسة العسكرية خارج أي قرار «كبير» قد تتخذه الحكومة التركية فضلاً عن البرلمان.
وألغت تركيا مباراتي منتخبها بكرة القدم تحت سن الـ 18 بكرة القدم اللتين كانتا مقررتين أمس وغدا، ودعت المنتخب للعودة فورا إلى تركيا .كما استدعت أنقرة سفيرها لدى إسرائيل وألغت 3 مناورات عسكرية مع الدولة العبرية.
وسيواجه رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان تحدياً كبيراً، إذ أن الأنظار ترنو إليه لاتخاذ قرار كبير يستعيد هيبة البلد. وينتظر أن تجتمع الحكومة التركية في الساعات القليلة المقبلة بعدما حال وجود اردوغان خارج البلاد في انعقادها الفوري برئاسته. وكما قطع اردوغان زيارته إلى تشيلي كذلك قطع رئيس الأركان ايلكير باشبوغ زيارته إلى مصر وعاد إلى بلاده. كما اختصر وزير الدفاع التركي وجدي غونيل زيارة إلى مقدونيا. ووصف باشبوغ في اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الاسرائيلي غابي اشكينازي الهجوم بانه عمل «خطير وغير مقبول».
واتهم اردوغان، قبيل مغادرته تشيلي عائداً الى انقرة، إسرائيل بممارسة إرهاب الدولة. وقال «هذا العمل يتعارض تماماً مع مبادئ القانون الدولي وهو عمل غير إنساني من أعمال إرهاب الدولة. فلا يظن احد أننا سنسكت على هذا». واعتبر ان اسرائيل داست باقدامها القانون الدولي. وقال «هذا الهجوم يثبت من جديد ان حكومة اسرائيل الحالية لا تريد السلام في المنطقة»، مضيفاً ان «هذا السلوك يشكل تهديداً للسلام في المنطقة لانه يحول دون ان ينعم سكانها وايضاً الشعب الاسرائيلي بالاستقرار والطمأنينة».
وبعد ساعات من اعلان اردوغان انه سيطلب عقد اجتماع لحلف شمال الاطلسي، قال المتحدث باسم الحلف جيمس اباثوراي ان سفراء دول الحلف الـ28 سيعقدون اجتماعا طارئا اليوم لبحث الهجوم الاسرائيلي على «اسطول الحرية». وقال دبلوماسي «ان الحلف ليس لديه في الحقيقة صلاحيات لمعالجة تبعات هذا النوع من المسائل. ان تركيا لم تستند الى المادة 5 التي تنص على مساعدة اي حليف يقع ضحية هجوم، لكن بما ان عدداً من رعاياها في عداد الضحايا من المفهوم ان تطلب اجراء مشاورات سياسية مع شركائها».
وكانت أولى ردود الفعل التركية من جانب وزير الخارجية احمد داود اوغلو الذي كان في طريقه إلى واشنطن للقاء نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون. وقال إن على إسرائيل أن تتحمل عواقب عملها الذي يشكّل انتهاكاً للقانون الدولي، مضيفاً أن «الحادث غير مقبول وندينه بشدة ونطلب إيضاحات عاجلة بشأنه».
ومن الخطوات الفورية التي لجأت إليها تركيا استدعاء سفيرها اوغوز تشولاق كول من إسرائيل واستدعاء السفير الإسرائيلي في أنقرة غابي ليفي إلى مقر وزارة الخارجية التركية وأبلغته أن هذه العملية الدامية قد «تؤدي إلى عواقب لا يمكن تداركها في علاقاتنا الثنائية». ورجم متظاهرون مقر إقامة ليفي بالبيض وزجاجات المياه.
وعلى الصعيد الدولي، دعت أنقرة إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن، وانضم إلى الدعوة الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إكمال الدين إحسان اوغلو الذي وصف الاعتداء بأنه «جريمة».
وكانت ردة فعل الشعب التركي منذ ورود أولى أنباء العدوان على السفينة التركية غاضبة، وتجمع الآلاف أمام السفارة الإسرائيلية في أنقرة والقنصلية الإسرائيلية في اسطنبول محاولين اقتحامهما، لكن قوات الأمن التركية فرضت حصاراً مشدداً عليهما.
وتظاهر حوالى 10 آلاف شخص في الساحة الرئيسية في اسطنبول. وهتف المتظاهرون في ساحة تقسيم «الموت لإسرائيل» و«أيها الجنود الأتراك توجهوا إلى غزة». وهتف آخرون، رفعوا أعلاماً تركية وفلسطينية، «العين بالعين والسن بالسن». وتعرّض سائق دراجة هوائية إسرائيلي كان مشاركاً في سباق في مدينة تكيرداغ التركية إلى الاعتراض من جانب شخص تركي ألقى عليه العلم الفلسطيني. وعنونت «حرييت» إن «الهجوم على أسطول الحرية يدق المسمار الأخير في نعش العلاقات التركية الإسرائيلية».
وذكرت صحيفة «ميللييت» إن أكثر من 15 ألف سائح إسرائيلي قد الغوا حجوزات لهم في حزيران المقبل إلى منطقة بودروم في تركيا. وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية قد دعت الإسرائيليين إلى عدم التوجّه إلى تركيا باعتبارها بلداً خطراً.
لكن الحاخامية اليهودية في تركيا أصدرت بياناً أعلنت فيه أنها تشعر بالأسى لما نتج عن التدخل العسكري الإسرائيلي على «سفينة مرمرة»، وتشارك الشعب التركي أحزانه، فيما أعلن حاخام الطائفة اليهودية في أزمير جاك قايا انه يدين الاعتداء ويشعر بالحزن لمهاجمة إسرائيل أهدافاً مدنية، مضيفاً أن «حزنه لا حدود له».
وأجمعت أحزاب المعارضة والحكومة على إدانة العدوان. وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشدار اوغلو إنه أمر غير مقبول وغير مبرر مهما كانت الأعذار.
وقال نائب رئيس الوزراء التركي بولنت ارينتش «إن هذا الهجوم علامة جديدة على مدى الاستهتار الذي بلغته السياسات العنيفة للحكومة الإسرائيلية»، لكنه أضاف «يجب الا ينتظر أحد منا اعلان الحرب على اسرائيل».
ووصف مستشار اردوغان للشؤون العربية أمر الله ايشلر اعتداء إسرائيل بأنه «جنون وإرهاب دولي، خصوصا انه حصل في المياه الدولية»، مضيفا أن أنقرة «تنتظر كيف سيعالج العالم هذا الجنون». وأضاف إن «تركيا دولة كبيرة، ولا تتصرف إلا من خلال الحكمة والعقل»، موضحاً أنهم ينتظرون عودة اردوغان لاتخاذ القرار المناسب. وقال إن تركيا تبذل قصارى جهدها على المستوى الدولي. وتوقع ردود فعل أقوى من جانب رئيس الوزراء.
وقال مستشار الرئيس التركي عبد الله غول، إرشاد هرمزلي إن بلاده تدين بقوة العدوان الإسرائيلي، خصوصاً أن السفن كانت في مهمة إنسانية، وفي المياه الدولية على بعد 70 كيلومتراً من الساحل الإسرائيلي. وأضاف إن «على العالم أن يكون عند حسن ظن الجميع لإدانة الإرهاب».
وعقد المتحدّث باسم حزب العدالة والتنمية حسين تشيليك مؤتمراً صحافياً حول الحادثة. وقال «إننا في البرلمان نندد بالاعتداء. القافلة كانت تهدف إلى مساعدة غزة للتخفيف من مأساتها». ووصف الحادثة بأنها نقطة سوداء في تاريخ إسرائيل، داعياً إلى إرسال المصابين إلى تركيا لمتابعة العلاج.
وربط تشيليك بين العدوان الإسرائيلي وبين الهجوم على قاعدة عسكرية في الاسكندرون وذهب ضحيتها سبعة جنود. وقال إن «التزامن بين الحادثين ليس صدفة، وتركيا تتعرض لمثل هذه التحديات كلما كانت تتقدم إلى الأمام». واعتبر أن الهجوم على القاعدة ليس عادياً وأطلق من صاروخ من بعد. ونفى أن تكون الحكومة التركية وراء قافلة الحرية لأنها منظمات مدنية لها كامل الحرية في التحرك.
وقال تشيليك إن «الهجوم كان وحشياً وغير إنساني»، مندداً بموقف أوروبا التي لا ترفع صوتاً عندما يتعلق الأمر بالآخرين فيما يرتفع صوتها إذا كان الأمر متصلاً بإسرائيل. واتهم واشنطن بأنها هي التي تشجع إسرائيل على عدم تطبيق القرارات الدولية والالتزام بها. وطالب العالم بتأييد الشعب التركي الذي يخرج بصورة طبيعية ونموذجية للتعبير عن غضبه، داعياً الشعب إلى التحرك بعقلانية حتى لا ينساق إلى تصرفات غير مقبولة.
ورداً على اتهام إسرائيل السفن بأنها تحمل مواد إرهابية، قال تشيليك إن «إسرائيل تقتل القتيل وتمشي في جنازته، وهو أمر مضحك». وعن الاتفاقيات العسكرية مع إسرائيل، قال إن «الأيام المقبلة ستوضح الأمر»، مضيفاً إن «علاقاتنا مع إسرائيل لن تبقى كما هي وسنتخذ القرار الأنسب قريباً». 

ليست هناك تعليقات: