
إخفاق عسكري وسياسي لا يحتمل «أسطول الحرية» ينتصر على إسرائيل | ||||||||||
عجزت إسرائيل عن تسويق رواية الدفاع عن النفس كمبرر للسيطرة الدموية على سفن «أسطول الحرية»، وعجزت أكثر عن تبرير دمويتها في استهداف العزل. وبدلا من محاولة تقليص الأضرار بالإقرار في الخطأ، اندفعت إلى تبرير «الإفراط» في استخدام القوة، ووجدت نفسها في مواجهة مع الأسرة الدولية بأسرها. لكن الخيبة الأخلاقية والعملانية أفرزت ارتباكا سياسيا داخليا يصعب تقدير عواقبه خلال وقت قصير، إذ بدأت على الفور مواجهة كلامية مستترة حول أسباب الإخفاق بين كل المستويات تقريبا: السياسية والعسكرية. ورغم أن الإسرائيليين يلتفون في كل الأحوال حول الجيش، «الذي لا جيش لهم سواه»، إلا أن الإخفاق أكبر مما يحتمل. فالموضوع يتعلق بمكانة إسرائيل في لحظة تاريخية بالغة الحرج. وقد اضطر الإخفاق أحد كبار المؤيدين لإسرائيل، الفيلسوف الفرنسي اليهودي برنار هنري ليفي للإعلان في تل أبيب عن صدمته من العملية، وقال انه كان بوسع إسرائيل أن تتصرف بشكل مغاير، «فالصور التي رأينا هي أكثر تدميرا، ليس فقط لصورة إسرائيل وحكومة إسرائيل، وإنما أيضا للدولة التي أحب كثيرا، من أعداء إسرائيل الفعليين». غير أن ما يهم إسرائيل ليس فقط المكانة لدى محبيها من اليهود، ولا حتى لدى نفسها، وإنما أيضا مكانتها لدى القوى الأكثر تأثيرا في العالم، وهي مكانة تضررت بشدة بهذه الأحداث، فجريمة قتل نشطاء السلام في أسطول الحرية جرت قبل يوم واحد من موعد مقرر «لإصلاح» ما تضرر من علاقات أميركية إسرائيلية وبعد وقت قصير من مكافأة حكومة نتنياهو بضمها إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وأثناء زيارة رسمية لكندا. كما أن هذه الجريمة وقعت في وقت تحاول فيه إسرائيل عبثا ادعاء قدرتها على التظاهر بتحريك العملية السياسية مع الفلسطينيين. ولا يقل أهمية عن ذلك أن هذه الجريمة تمت في وقت تكاد إسرائيل تخرج فيه عن طورها لتظهر اصطفافها في معسكر «المتنورين» في العالم مقابل معسكر «الظلاميين». والأدهى أنها أوحت للعالم بأنها أعدت للأمر عدته وأنها قادرة على التعامل مع التحدي الجديد الرامي لكسر الحصار عن غزة بطريقة «حضارية» وأنها جهزت «تذاكر السفر» والسندويشات وفناجين القهوة. وظهر منذ الدقائق الأولى لعملية السيطرة على سفينة «مرمرة» أن كل ما أعدته واستعدت له، كان بعيدا عن الواقع. فقد هاجمت بقوة وحشية أذهلت أغلب العالم، مدنيين في سفينتهم في عرض البحر وفي مياه دولية مدعية أنها تعرضت لكمين. وبعدما قتلت من قتلت وجرحت من جرحت حاججت بأنها من تعرض للاعتداء. وعندما لم تجد من يشتري الرواية سارعت إلى الاندفاع أكثر في الأكاذيب وتحدثت عن أسلحة كانت ستصل للقطاع وعن انتماء النشطاء الأتراك للقاعدة أو لحماس. وبدت أنها تغرق أكثر فأكثر في الكذبة. لكن، لا تصدقوا أن إسرائيل تصدق نفسها. فقد اجتمع وزير الدفاع ورئيس الأركان وقائد البحرية وأطلقوا الكذبة. لكنهم جميعا كانوا يعرفون أنها كذبة. تبارى المسؤولون الإسرائيليون، وعلى رأسهم نتنياهو في الحديث عن تأييده للجيش «الأكثر أخلاقية في العالم». لكنهم خلف هذا التأييد يوجهون الانتقاد. ورغم أن نتنياهو في البداية حاول الإيحاء بأن الوضع تحت السيطرة إلا أنه اضطر لإلغاء زيارته لواشنطن ولقائه مع الرئيس أوباما. وتختلف الأسباب في تفسير هذه الخطوة: هل هي ثمرة غضب أميركي أم خشية من تدهور الوضع الإسرائيلي؟ لكن لا حاجة للذهاب بعيدا في تقدير الوضع. فالانتباه لكلمات بعض القادة الإسرائيليين فيه ما يشير إلى ما سوف يحدث. في المؤتمر الصحافي أعلن رئيس الأركان أنه بسبب افتقار الجيش لوسائل تفريق التظاهرات اضطر الجنود لاستخدام الرصاص الحي. أي أنه لو كانت لدى الجيش ميزانية إضافية لوضع الجيش بعهدة «شييطت 13» وسائل تفريق تظاهرات للسيطرة على السفن. وفي مقابلة مع القناة الثانية أعلن نائب وزير الدفاع متان فلنائي أن الحكومة صادقت بالكامل على «الخطة التي عرضها سلاح البحرية». وهذا يعني أن الجيش هو من يتحمل المسؤولية عما جرى. ثم ان نتنياهو أبلغ مقربيه أن تقديرات الموقف لم تشر إلى احتمال سقوط قتلى في العملية. وقد بدت الخيبة واضحة على رجال الإعلام الإسرائيليين الذين وجدوا أنفسهم في ورطة. فمحطات التلفزة الإسرائيلية عنونت نشراتها بعناوين من قبيل «السيطرة والورطة» أو «دماء في البحر». ومثلت عبارة «سوء التقدير» كلمة السر التي ترد على كل لسان. وتزايدت الأسئلة حول «الخطأ المفهومي» و«الخطأ الاستخباراتي». وكيف أن الاستخبارات الإسرائيلية لم تكن تتوقع ما جرى، وبالتالي لم تعلم القوات بما سوف يحدث. باختصار، كل جهة تحاول منذ الآن حماية ظهرها وإبعاد التهمة عن نفسها بعد أن بدا أن ما تحقق لم يكن نصرا كما يريدون. فمن الوجهة العملية تبين أن العملية الإسرائيلية سوف تدفع المزيد من القوى لتسيير أساطيل لفك الحصار عن غزة. ومن المقرر أن تصل السفينة «راشيل كوري» إلى غزة بعد غد على أبعد تقدير. فما الذي ستفعله إسرائيل؟ وماذا ستفعل إذا قرر الأتراك وعدد من الدول العربية تسيير خمسين سفينة إلى غزة وليس ستاً فقط؟ وكل ما كانت ترمي إليه إسرائيل هو تعزيز يأس الفلسطينيين من الأسرة الدولية ودفعهم نحو الاستكانة للحصار أو التجاوب مع مطالبها. ويبدو أن هذا لم يتحقق، بل إنه بات على وشك التحطم. لهذا السبب فإن إسرائيل تحاول اليوم العمل دفعة واحدة على عدة جبهات لمنع خروج الوضع عن دائرة السيطرة. وهي تقدّر أن النقطة الأخطر هي انفجار الوضع لدى الفلسطينيين في أراضي العام 1948، يليه انفجار الوضع في قطاع غزة، ما يهدد بانزلاق المنطقة نحو الحرب. وبعد ذلك يتركز الاهتمام الإسرائيلي على منع نشوء حالة دولية تلزمها بإنهاء الحصار المفروض على غزة، ما يمكن أن يعتبر عنوان نجاح الحملة الدولية من ناحية ونجاح حركة حماس في البقاء من ناحية أخرى. ولا يقل أهمية عن ذلك السعي لمنع تبلور حالة دولية تدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية في ما جرى. وبحساب الربح والخسارة، فإن إسرائيل ترى في عملية السيطرة على أسطول الحرية فشلا ذريعا. وتعتقد أن تركيا باتت «خسارة لا تعوض»، وأن هناك احتمالات بإضعاف التحالف الذي كان قائما تجاه حكومة حماس في غزة مع كل من حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله والحكومة المصرية. لقد أظهرت مجزرة «مرمرة» مستوى الحماقة الذي يمكن أن تقدم عليه حكومة يرأسها نتنياهو ويقودها في غيابه موشي يعلون وإيهود باراك. وتزداد الحماقة حدة حين يكون مطلوبا من أفيغدور ليبرمان وداني أيالون تفسير كل ما |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق