

حروب أوباما السرية غالب قنديل في أواخر أيار الماضي كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن أمر تنفيذي أصدره قائد المنطقة الوسطى للقوات الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس يقضي بشن عمليات عسكرية خاصة وسرية في عدد من دول الشرق الأوسط الكبير ذكرت منها الصحيفة: لبنان، سوريا، إيران، العراق، تركيا، السعودية، باكستان، أفغانستان ، اليمن والصومال. العمليات العسكرية الخاصة تتضمن تنفيذ اغتيالات وضرب أهداف محددة وتجنيد عملاء من سياسيين وصحافيين وأكاديميين، وتمويل وتسليح جماعات محلية لتعمل عسكريا وأمنيا ضمن خطة العمليات السرية الخاصة المذكورة في هذه البلدان وغيرها ، المشمولة بالأمر التنفيذي ضمن نطاق المنطقة الوسطى التي هي كناية عما يسميه الأميركيون الشرق الأوسط الكبير، وحيث تتمتع الوحدات العسكرية النظامية الخاصة الأميركية المكلفة بهذه المهام للمرة الأولى في بعض الدول كالسعودية وباكستان بمزايا وتسهيلات مرتبطة باتفاقات تعاون أمنية وعسكرية تتيح لها الحصول على المعلومات من قنوات رسمية كما هي حال الاتفاقية الأمنية المطروحة للبحث والمراجعة في لبنان ، كما تحظى بقواعد ومرتكزات لوجستية أميركية سواء عبر مواقع عسكرية مكرسة رسميا باتفاقات أو عبر قواعد سرية تعتزم إنشاءها. في زمن إدارة جورج بوش جرى الحديث عن وحدات خاصة أميركية قامت بمهام سرية في إيران وبعمليات استطلاع في سوريا، وترددت معلومات صحافية عن وجود فعلي لوحدات خاصة أميركية على ارض اليمن والصومال بينما بات معروفا ومعلنا وجود مثل هذه الوحدات في باكستان حيث تنفذ عمليات اغتيال وتفجير سرية وعلنية. الجنرال ديفيد بترايوس أغمي عليه قبل أيام خلال إدلائه بتقرير أمام لجنة القوات المسلحة الأميركية في الكونغرس يتناول الوضع في أفغانستان، حيث تعرض للمساءلة القاسية عن التعثر العسكري والسياسي للحرب الأفغانية التي تعهد أوباما للكونغرس بأن تصل إلى لحظة إعلان النصر عند بدء الهجوم العسكري قبل أشهر وبعدما رصد الكونغرس أكثر من مرة اعتمادات ضخمة لتمويل تلك الحرب وما يرتبط بها من برامج اقتصادية وسياسية وأمنية تحت عنوان المساعدة في تكوين السلطة السياسية المحلية التي دخلت في متاهة تناحر وانقسام عبرت عنها استقالات لكبار المسؤولين الأمنيين في حكومة قرضاي، بينما نشأت أزمة ثقة بين إدارة أوباما والحكومة المحلية في ضوء السباق إلى التفاوض مع حركة طالبان ومحاولة قوات الاحتلال الأميركية منع قرضاي من التفاوض قبل أن تكون القوات الأميركية قد اختبرت حظوظها الخائبة في هجمات جديدة على معاقل طالبان، والأرجح أن المراوحة العسكرية الخطيرة التي منيت بها حملات الجنرال ماكريستال في الميدان كانت خلف الإغماء الذي ألم بقائد المنطقة الوسطى. التعثر الخطير لإستراتيجية الحروب التي تخوضها المؤسسة العسكرية الأميركية هو القاعدة التي بنيت عليها خطة حروب أوباما السرية، والتي انتقلت بها صلاحية هذا النوع من الحروب من المخابرات الأميركية إلى البنتاغون مباشرة وبالتعاون مع مجلس الأمن القومي، بحيث تتولى قيادة الأركان المشتركة الأميركية الإدارة المركزية لهذا الغزو العسكري والأمني السري لدول المنطقة وبالتالي التنظيم المباشر لعمليات التخريب والاغتيال وتكوين شبكات العملاء المحليين وبناء الفصائل العسكرية المتمردة المعارضة للحكومات المستقلة عن الهيمنة الأميركية والتي يجري استقطابها بعناوين عرقية ودينية وسياسية تبعا لكل حالة. خطة أوباما للحروب السرية تعول على استخدام التكنولوجيا المتقدمة كالطائرات بدون طيار وما يسمى بالقانبل الذكية الموجهة عن بعد وغيرها من أدوات الحرب التي تعتبر جزءا أساسيا من منجزات إدارة بوش، وقد عمل عليها بشكل حثيث وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد بإشراف ودعم مباشرين من نائب الرئيس السابق ديك تشيني ، الملك الرئيسي لأسهم الشركات التي تولت التنفيذ و التجهيز. تعطي الإدارة الأميركية عنوانا لهذه الخطة السرية هو مطاردة المنظمات الإرهابية، ولكن من الواضح أن معالم الخطة ترتبط مباشرة بمشروع الهيمنة الاستعمارية الأميركية الإسرائيلية على المنطقة و يمثل تصنيف حركات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي كمنظمات إرهابية واعتبار الدول الداعمة لها دولا داعمة للإرهاب، مرتكزا رئيسيا لمعايير الخطة ، وعلى هذا القياس بالذات فان الوحدات الخاصة الأميركية التي تلقت الأمر التنفيذي الصادر عن بترايوس، ترتبط بتنسيق وبرامج عمل مشتركة مع القوات الخاصة الإسرائيلية وقد شملتهما معا برامج تدريب جرى تنفيذها في فلسطين المحتلة خلال السنة الماضية وذكرت المعلومات والتقارير الصحافية أن ثلاث ساحات على الأقل في منطقة العمليات تشهد نشاطا مكثفا لوحدات خاصة أميركية إسرائيلية مشتركة وهي اليمن وكردستان العراق والصومال، والقواعد التي تقيمها هذه الوحدات وشبكات التجسس التي أنشأتها على الأرض تستهدف دولا مجاورة في عملياتها كإيران وسوريا وتركيا والسودان والنطاق الإفريقي الواسع حيث تستعين الولايات المتحدة بمرتكزات الوجود الإسرائيلي في القارة السوداء لمواصلة حربها الضارية ضد الحضور الاقتصادي والسياسي الصيني المنافس على موارد الطاقة والأسواق. المتوقع في ضوء هذه الخطة التي أضاف إليها أوباما قرارا رئاسيا صدر مؤخرا، أن تشهد المنطقة سلسلة من عمليات التخريب والتفجير والقتل التي قرر البنتاغون تنظيمها في محاولة لاستدراك الهزائم التي لحقت به. الأمر الرئاسي كشفته جريدة الواشنطن بوست وهو يقضي بالطلب إلى الكونغرس زيادة موازنة العمليات الخاصة التي يشرف عليها مجلس الأمن القومي و تتولى جانبا منها وكالة المخابرات المركزية في الشرق الأوسط بمعدل 30% للسنة القادمة 2011 ، وهذا بذاته مؤشر على طبيعة التوجه الرسمي نحو فصل جديد من الحملة الاستعمارية الأميركية يتوسل اختبار وسائل وأدوات بديلة لشن حروب الغزو والاحتلال التي منيت بالفشل. العقدة في هذه الخطة الأميركية هي أن ردود الفعل التي قد تنتج عنها ستعرض المصالح الأميركية ومرتكزات النفوذ الأميركي لمخاطر كبيرة قد يجعل بعضها الحروب التي تسعى واشنطن لتلافيها، أمرا لا مفر منه مهما طال الزمن، وإن كان بعض المحللين وجدوا في الخطة تحضيرا لحرب كبرى على مسرح المنطقة تشمل إيران وسوريا ولبنان وقطاع غزة وهو احتمال يجب أن يبقى في الحساب، لان بعض التقديرات الإستراتيجية تقول إن مثل تلك الحرب التي يسعى الإسرائيليون لإقناع الولايات المتحدة بشنها أرجئت بانتظار سحب القوات الأميركية أو معظمها من العراق خشية تعرضها لعمليات ستكون أقرب إلى الإبادة في حالة الاشتباك مع إيران وسوريا وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين. الأكيد أن الولايات المتحدة برئاسة أوباما تؤكد بوضوح سافر أنها متمسكة بغيها الاستعماري وبمنطق هيمنة إسرائيل على الشرق الأوسط وإن كانت محكومة بمعادلة الردع وبأزمتها الاقتصادية وبهزائمها السابقة والمشتركة مع إسرائيل، و قد أوقفت هجومها الشامل التي بدأته باحتلال العراق وواصلته بحربي لبنان وغزة، فهي تتخبط في البحث عن أدوات ووسائل جديدة ربما تشعل تلك الحرب التي تسعى القوى التحررية في المنطقة لمنع وقوعها عبر تطوير قدراتها الرادعة، بينما سيكون عليها أمام الخطة الجديدة وضع الاستعدادات الوقائية السياسية والأمنية والعسكرية في رأس جدول الأعمال. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق