إنكار «المستقبل» وجود شهود زور يضعه أمام أسئلة صعبة !!
إنكار «المستقبل»
وجود شهود زور يضعه أمام أسئلة صعبة !!
عماد مرمل
على الرغم من إحالة مجلس الوزراء ملف شهود الزور
الى وزير العدل إبراهيم نجار لتبيان إمكان متابعته قانونيا وقضائيا،
مع ما تعنيه هذه الخطوة من اعتراف رسمي بوجود شهود الزور
في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري،
إلا أن تيار المستقبل الذي يترأس زعيمه سعد الحريري
الحكومة تراجع خطوة الى الوراء في هذا المجال
وعاد بالنقاش الى المربع الأول مع صدور مواقف متتالية
عن أعضائه خلال الأيام الماضية، ينكرون فيها وجود شهود الزور.
وبدا أن تيار المستقبل يحاول استدراك دلالات خطوة
مجلس الوزراء واحتواء هجوم حزب الله على شهود الزور
ومن يقف خلفهم، فلجأ الى الترويج لمنطق مضاد يتمحور
حول فكرة عدم الاقرار أصلا بمبدأ شهود الزور،
وذلك تحت غطاء من القنابل الدخانية التي اتخذت اشكالا مختلفة،
كأن يقال حينا انه يجب انتظار صدور القرار الظني
لمعرفة حقيقة إفادات شهود الزور،
وحينا آخر ان مقولة شهود الزور هي في الاساس
غير سليمة قانونيا لانها لا تصح
إلا على الذين أدلوا بشهادات كاذبة امام المحكمة بعد حلف اليمين،
وهذا ما لا ينطبق على الأشخاص المعنيين
الذين ربما يكونون قد أدلوا في اسوأ الحالات
بإفادات كاذبة امام المحققين، كما جاء في بعض الآراء.
ومن الواضح في كلتي الحالتين ان المتنكرين
لحقيقة شهود الزور يمارسون سياسة النعامة
ويخفون رؤوسهم في التراب، متسلحين بـ«الدفوع الشكلية»
للتغطية على أصل الموضوع وهو ان هناك مجموعة
من الاشخاص فبركت وزورت وقائع عن سابق تصور وتصميم،
ما أفضى الى سجن الضباط الاربعة
واتهام سوريا باغتيال الرئيس رفيق الحريري
على مدى أربع سنوات، قبل ان تبدأ قصور الرمل
التي بنيت على شاطئ التحقيق الدولي بالاندثار الواحد تلو الآخر.
وفي مثل هذا الوضع، لا فارق إذا كان مفبركو الوقائع المزورة هم،
من حيث التسمية، شهود زور ام أصحاب إفادات كاذبة،
لان النقاش هنا ليس تقنيا ولا لغويا، بل يتعلق بالأدوار
التي أداها هؤلاء في المرحلة السابقة
والتي أدت الى انحراف خطير في وجهة التحقيق والحقيقة،
كاد يطمس وجوه المجرمين الفعليين.
والمفارقة ان منطق الإصرار على إنكار وجود شهود الزور
يقود أصحابه، وخصوصا في تيار المستقبل،
الى زاوية ضيقة لانه يعني تلقائيا انهم يعتبرون ان
محمد زهير الصدّيق على سبيل المثال لا الحصر،
صادق وان اتهاماته لسوريا صحيحة..
فهل هذا هو موقف تيار المستقبل في الوقت الحاضر؟
أما إذا كان «المستقبل» قد فتح فعلا صفحة جديدة مع دمشق
ويرى انها أصبحت بريئة،
فلماذا يتحسس من وضع الصدّيق
وغيره ممن حاولوا توريط سوريا في قفص الاتهام؟
وتعتقد أوساط في المعارضة ان محاولات تيار المستقبل
الحثيثة لمنع الخوض في عمق ملف شهود الزور والبقاء
على تخومه، إنما تهدف في واقع الامر
الى بناء خط دفاعي متقدم لحماية بعض
المقربين من الرئيس سعد الحريري،
ممن قد يتأثرون مباشرة في حال بدأت الحقائق تتكشف،
وحجارة «الدومينو» تتهاوى.
وتستغرب الاوساط كيف ان الرئيس سعد الحريري
يبشر يوميا بالهدوء والكلمة الطيبة، فيما يواصل
أعضاء التيار العزف على أوتار من شأنها ان تؤدي الى التشنج،
مبدية خشيتها من ان يجري توظيف التهدئة
التي التزم بها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله،
لاستكمال طهي القرار الظني المسموم، ومن ثم تمريره،
تحت شعار انه يجب إبعاد هذا الموضوع
عن التجاذبات الداخلية وتركه يأخذ مجراه القضائي!
وتفيد المعلومات ان حزب الله قد يلجأ قريبا،
في حال شعر بان هناك تصميما على تمييع الحقائق،
الى رفع «دوز» هجومه على شهود الزور،
ولكن هذه المرة من خلال المباشرة
في التركيز على الجانب المتصل بالبيئة الحاضنة،
سياسيا وأمنيا وماليا، ودورها في إنتاج هؤلاء ورعايتهم حتى اليوم.
ووسط هذا الغبار الداخلي الذي أثاره،
وما يزال، السجال حول القرار الظني والمحكمة الدولية،
حددت واشنطن الثاني من ايلول المقبل
موعدا لإطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين واسرائيل،
ما دفع العديد من المراقبين الى التساؤل
عما إذا كان هذا التطور
المستجد سيترك أي تأثيرات على مسار التطورات المقبلة
في لبنان الذي تجعله مناعته
الضعيفة مهيئا للتفاعل مع أي «جسم غريب».
بمعزل عن نظرية المؤامرة، هناك من يرى ان أحد أهداف الضغط
على حزب الله عبر ورقة القرار الظني هو
«إشغاله» بمعركة جانبية تتيح إطلاق عملية التسوية
بين السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية
في المنطقة بهدوء، ومن دون تعريضها للتشويش
الذي قد تمارسه قوى المقاومة والممانعة
وفي طليعتها حزب الله الذي ستكون أولويته
هي الدفاع عن نفسه بالدرجة الاولى.
وتفيد الاشارة في هذا السياق الى ان معظم الجهات الرافضة
لعملية التسوية في المنطقة منشغلة بمواجهة «الضغوط المنظمة»
التي يراد منها تقييد حركة تلك الجهات والحد من قدرتها
على المبادرة. فهذه إيران محاصرة
برزمة جديدة من العقوبات الدولية،
وهذه حركة حماس تتعرض للحصار في غزة،
وهذا حزب الله يخوض معركة حصاره بالقرار الظني،
وحتى سوريا ما زالت علاقة الغرب بها متأرجحة وغير مستقرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق