Powered By Blogger

السبت، 22 يناير 2011

Bookmark and Share
ما تجاهله الحريري في كلمته 












غالب قنديل
الكلمة التي وجهها رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري يوم أمس تضمنت مجموعة من المغالطات تحت ضغط الحماس السياسي الذي اشتغل عليه من أعدوا النص لاستثارة التعاطف الشعبي والتأثير على اتجاهات الرأي العام.
أولا: إن الكلام عن كون المعارضة غيرت موقفها واستهدفت منع عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة ينطوي على شيء من التجاوز وبكل صراحة فيه تجاهل لحقيقة أن قيادة المعارضة أمهلت الحريري أشهرا عديدة منذ القمة الثلاثية في بعبدا لبلورة تفاهم لبناني داخلي يكرس وجوده في رئاسة الحكومة وكانت المعارضة واضحة في تأكيدها أن التفاهم بعد صدور القرار الظني ستحكمه اعتبارات وشروط غير ما هي عليه الحال قبل صدوره.
أفسحت قيادة المعارضة المجال واسعا أمام المسعى السعودي ـ السوري وأمام الحريري شخصيا حتى صدور القرار، لذلك واعتبارا من يوم الاثنين الماضي وبعد تعطيل الحريري للفرصة الأخيرة التي طلبها له النائب وليد جنبلاط كان من البديهي أن تعلن المعارضة رفضها عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة.
هذا الإعلان هو حق ديمقراطي ودستوري ، تماما كما كان قرار استقالة الوزراء الذي أطاح بحكومة الحريري حقا دستوريا لا يجوز للحريري أن يتنكر له ، أو أن يتعجب من ممارسة المعارضة لهذا الحق ، وهو يعلم أصلا أن قادة المعارضة وخصوصا العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله أعلنوا صراحة أنهم لن يسموه لرئاسة الحكومة وذلك ما كانت عليه الحال عندما كلف الحريري برئاسة الحكومة بعد انتخابات 2009 وعشية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية المستقيلة.
ثانيا: بعد التسجيلات التي بثتها قناة الجديد اكتشف الرأي العام اللبناني حقيقة دور الحريري في فبركة شهود الزور وترويج رواية اتهام سورية و بعد  انفضاح درجة ارتباط الحريري بالتعليمات الأميركية من خلال إسقاطه للمبادرة السعودية في واشنطن.
بين الاكتشافين يرتسم سؤال عن موجبات الحياء وما تفرضه الوقائع في عرف القانون و بمعايير المؤسسات والسيادة والحرية والاستقلال، فقد كان الأولى بالحريري أن يخصص كلمته يوم أمس لممارسة نقد ذاتي عن تورطه في أفعال شائنة تنفيذا للتعليمات الأميركية التي قضت باستغلال دماء والده في سبيل الهجوم الأمني والسياسي على سورية انطلاقا من لبنان ولمحاولة التخلص من المقاومة اللبنانية.
رغم فظاعة الوقائع والفضائح ظل الرئيس الحريري مصمما على نهجه السياسي رافضا لفكرة التفاهم الوطني طيلة الفترة الماضية وبالتالي كان عليه أن ينتقد نفسه أيضا عن مسؤوليته في إضاعة فرص التسوية قبل صدور القرار ولو مارس هذين النقدين لكان بالتأكيد فرض على قيادة المعارضة أن تراجع حساباتها.
ثالثا: الخديعة الكبيرة التي روجها رئيس الحكومة المستقيلة تتعلق بمضمون التفاهمات التي حمل مسودتها المبعوثان التركي والقطري ، فقد أخفى الحريري عن جمهوره وعن جميع اللبنانيين حقيقة أنه وافق مبدئيا على إلغاء اتفاقية المحكمة وسحب التمويل والقضاة اللبنانيين وهو لم يقل لأي من المواطنين ما هي الشروط المقابلة التي كان يطلبها.
طلب الحريري من الوسطاء أن يغلق ملف شهود الزور نهائيا في لبنان وهو بذلك طلب الحماية لنفسه ولمعاونيه المتورطين في هذا الملف ولشهود الزور أنفسهم.
طلب الحريري تعهدات مسبقة بتنفيذ الخصخصة وما يسمى باريس 3 ، وبتسليمه الملف الاقتصادي ، وهو بذلك طلب شيكا على بياض يسمح له بإغراق البلد بالمزيد من الديون والسمسرات والسياسات الاقتصادية الخطيرة والمدمرة التي أفقرت اللبنانيين ودفعت بالطبقات الوسطى إلى حافة الفقر.
طلب الحريري إغلاق ملف المبالغ المهدورة خلال عهد السنيورة والتي تقدر بـ11 مليار دولار يجب أن ينساها اللبنانيون في نظر رئيس الحكومة المستقيلة وأن ينسوا معها حتى فكرة السؤال عن مصيرها وعمن سرقوها.
هذه الطلبات التي لم يتحدث عنها الحريري وكانت لا تزال موضع نقاش عند قيادة المعارضة تفضح وظيفة ورقة المحكمة في نظر زعيم تيار المستقبل فهذه الورقة مطلوبة لحماية الفساد والمديونية والسرقات وللحصول على المزيد من أدوات التحكم بالاقتصاد اللبناني وبالمالية العامة للدولة.
رابعا: كلما طرح موقف نقدي من الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد يقوم الحريري الابن على طريقة جميع تلامذة السنيورة بالتفجع وباعتبار الانتقادات العلمية و الطبيعية انتهاكا لحرمة  " الرئيس الشهيد ".
إن أي عاقل يدرس الوضع الاقتصادي والاجتماعي اللبناني لا بد وان يستنتج أن النهج الاقتصادي والمالي الذي طبقه الرئيس الراحل رفيق الحريري منذ عام 1992 قام على المديونية وعلى الربى المشرع رسميا بواسطة سندات الخزينة بفوائدها التي نطحت الأربعين بالمئة ، و الرئيس الراحل طبق  سياسة نيوليبرالية استوردها في وصفات البنك الدولي وصندوق النقد والشركات الأميركية الاستشارية مثل باكتل وغيرها وهذا النهج دمر قطاعات الإنتاج و هشم مالية الدولة ومواردها وهو المسؤول عن كل ما يعاني منه اللبنانيون اليوم.
كان رفيق الحريري أكثر جرأة من ابنه ومن مستشاره فؤاد السنيورة عندما اعترف بالخلل في نهج حكوماته الاقتصادي والمالي عام 2002 في مقابلة نشرتها صحيفة النهار ويبدو أن " ولي الدم " لم يكلف نفسه عناء قراءتها.
الفلتان المتوحش للرساميل الريعية وتدمير قطاعات الإنتاج والخصخصة البربرية التي زرعت بواسطتها الشركات الأجنبية المخترقة إسرائيليا كما تبين في قطاع الهاتف الخليوي  ، شكلت مضمون البناء الاقتصادي للنظام الحريري ، و هي نسخة من صيغة حكم سقطت في كل العالم وتخلى عنها الأميركيون أنفسهم منذ الأزمة العالمية الأخيرة ، ولكن سعد الحريري مصمم على تحريم انتقادها و منع الدعوة إلى التخلص من آثارها بتحويلها إلى ثابت مقدس يرتبط بوالده الراحل وهنا ذروة التزوير وامتهان العقول والتصميم على التمادي في الخطأ الذي يدفع كلفته اللبنانيون مجتمعين من مستقبلهم ومن مستوى حياتهم.
خامسا: من الواضح أن سعد الحريري أراد بكلمته الإعداد لاحتمال انتقاله إلى المعارضة والغريب أن يحاول الإيحاء بأن موقف النائب وليد جنبلاط المستجد جاء تحت الضغط، فالمعلوم أن جنبلاط منذ تموضعه في الوسط يبني خياراته المعلنة على مبدأين هما :  التأكيد على مضمون التسويات والتفاهمات الوطنية الممكنة واعتبارها الأفضلية، والانحياز إلى سورية والمقاومة في مواجهة الضغوط والاعتداءات.
بعض الكلام المعارض عن موقف جنبلاط خلال الأيام الماضية كان بمثابة السؤال عن مدى التزامه بما ألزم به نفسه ، خصوصا وأن الحريري أهدر فرص التسويات وأفشل رهان جنبلاط عليه وعليها، ولأنه بعد صدور القرار باتت المقاومة عرضة لعدوان وقائدها لم يطلب من جنبلاط شيئا وكذلك فعل الرئيس بشار الأسد، تماما لأن قائد المقاومة أجاب سؤال الحلفاء في المفاصل دوما بعبارة أن حزب الله لا يطلب من أحد إلا أن يمارس قناعاته الوطنية ، ولأن الرئيس الأسد حريص على إعطاء الفرص ما أمكن لأي مسعى وفاقي بين اللبنانيين، وإذا كان جنبلاط قد تعرض لتهديد أميركي عندما زاره فيلتمان بعد قمة الرياض، فهو في حسم موقفه لا بد و أن يحسب لما يمكن أن يترتب على البلد برمته وليس عليه شخصيا فقط في حال ظلت أبواب العدوان مفتوحة.
الحريري يعلم أن الطائفة السنية ليست مطوبة في جيبه ويعلم أن فيها زعامات وتيارات وتكتلات سياسية وازنة تخالفه الرأي، وهو يعلم أيضا أن كثيرا من أخطائه السياسية والاقتصادية لا يمكن أن يمر من غير أثر وكما قبل مسبقا نتائج اللعبة الديمقراطية في الاستشارات ، عليه أن يقبل تبعات الديمقراطية داخل طائفته وأن يكف عن استخدام خطباء المساجد في إثارة العصبيات وأن يملك جرأة الدفاع عن خياراته السياسية في نقاش حر مع الآخرين وبالاحتكام إلى مصلحة البلاد وليس إلى التوجيه الأميركي الذي يلهم أفكاره حتى الساعة.





      

 اطبع المقال   أخبر صديق  

ليست هناك تعليقات: