غالب قنديل منذ أشهر تتحدث أبواق الموالاة عن انقلاب وعن مخطط انقلابي وهي ترمي منذ أيام الاتهامات في كل اتجاه ضد حزب الله وقوى المعارضة الوطنية اللبنانية ، و ستعمل جميع صنوف الإسفاف و الشتائم و التهديدات ، والترهيب في تناولها لرموز و قامات وطنية كبيرة و معروفة السيرة و التاريخ في نظافة الكف و العمل الوطني . فقد بلغت هذه الأطراف ذروة نوباتها الهستيرية المتلاحقة منذ انطلاق المواجهة التي خاضها السيد حسن نصرالله مع المحكمة الدولية والقرار الظني المفبرك والمسرب، مستخدما الوقائع وسبل الإقناع مفسحا المجال أمام اللبنانيين للتيقن من انكشاف حقيقة تسييس التحقيق وجلاء الملابسات الفضائحية لفبركة شهود الزور وصولا إلى فضح استعمال المحكمة كأداة أميركية إسرائيلية في استهداف المقاومة بعدما استخدم التحقيق الدولي للنيل من سورية و حلفائها . أولا الحصيلة التي انتهت إليها الأيام القليلة الماضية ومنذ الانقلاب الأميركي على المسعى السوري ـ السعودي المتعلق بالعمل لبلورة تفاهم لبناني يحتوي أزمة الخلاف حول الموقف من المحكمة وقرارها الظني، جاءت لثبت بطلان تهمة الانقلاب ولتؤكد حقيقة التزام المعارضة بالطرق الدستورية السلمية ، و حرصها على الاستقرار فهي اختارت استقالة وزرائها لتطيح بالحكومة بدلا من التحرك في الشارع الذي هو شكل سلمي ديمقراطي و مشروع لإسقاط الحكومات ، و لكن المعارضة آثرت الطريق الأكثر أمانا و الأقل كلفة على البلد ، و كذلك فإن قرار المعارضة بترك المجال أياما أمام المساعي القطرية التركية على الرغم من صدور القرار الظني و إعطاؤها الفرصة الأخيرة بعد أشهر من التسويف و المماطلة التي تعمدها زعيم الموالاة تقيدا بمشورة أميركية عن تقطيع الوقت ، إنما هو دليل إضافي على عقلانية تصرفها السياسي و عدم اعتدادها بالقوة كما يزعم متحدثو قوى 14 آذار بينما قرار المعارضة برفض عودة الحريري لرئاسة الحكومة هو ممارسة لحق ديمقراطي دستوري يشكل التنكر له ذروة التعسف و الجهل و الغباء . ثانيا الموقف الذي اتخذه النائب وليد جنبلاط لم يكن خارج منطق التحول السياسي الذي حرك فيه سلسلة من المبادرات منذ اتفاق الدوحة ، و بعدما بلغت خطة استعمال المحكمة ذروة لم تعد تحتمل التأجيل و بعدما استهلك جنبلاط الكثير من رصيده السياسي في سبيل إتاحة الفرص لسعد الحريري للتجاوب مع المسعى السعودي السوري المشترك دون جدوى . و بكل رقي و احترام و صبر كان تعامل المعارضة مع جنبلاط بمنحه الوقت الكافي لبلورة قناعاته السياسية بخصوص انسداد طرق التفاهم مع الحريري المأخوذ بروايات جعجع و تقارير وليد فارس و أمل مدللي و راغدة ضرغام و غيرهم عن الهجومية الأميركية التي ليست سوى تجسيد لمحاولة واشنطن توريط أدوات الهجمة السابقة و المستهلكة ليكونوا وقود الحرائق المستعملة في سبيل إنضاج شروط مواتية للتفاوض . ثالثا أكدت المعارضة تمسكها بمفهوم الشراكة الوطنية و أعطت فرصا مضافة لمغادرة الانقسام السياسي الحاد وسعت بكل وضوح إلى طمأنة الجمهور السني العريض وهي تقدم الدليل العملي على أنها متمسكة بالوفاق الداخلي بعيدا عن منطق الاستفزاز والانتقام وهذه المبادئ كانت بالأساس في خلفية اقتراح الرئيس عمر كرامي كمرشح من صفوف المعارضة لرئاسة الحكومة فالمعلومات تفيد أن الرئيس كرامي الذي أبدى عذره للسيد حسن نصرالله مفضلا إيجاد مرشح بديل ، كان مصمما في حال تكليفه على فكرة حكومة الشراكة والوحدة الوطنية وتكريس النهج العقلاني في التعامل مع الفريق الآخر، هذا مع العلم أن اقتراح المعارضة لركن كبير وسياسي مخضرم كالرئيس كرامي هو بذاته تصميم على التقيد بما يرمز إليها موقع رئاسة الحكومة من ثقل ومن أهمية على الصعيد السياسي بالنظر إلى وزن الرئيس كرامي التمثيلي والى ما عرف عنه في تاريخه من تمسك بصلاحيات الرئاسة الثالثة إلى أبعد الحدود. رابعا الاتصالات والمداولات التي جرت خلال الأيام الثلاثة الأخيرة في الداخل والخارج حملت الاقتراح باختيار مرشح وسطي من جانب كل من قطر وفرنسا اللتين قامتا وفق المعلومات بعمليات جس نبض امتدت من الرياض إلى واشنطن. تجاوب المعارضة مع فكرة اختيارها لرئيس حكومة من الوسط هو دليل على أنها عازفة عن الاستئثار بالسلطة وهذا ما أوضحه أمس بصورة حاسمة السيد نصرالله عندما أعلن أن المعارضة ستطلب من مرشحها إلى رئاسة الحكومة السعي إلى تأليف حكومة شراكة لا تستبعد أحدا و تبتعد عن أي كيدية أو انتقام . القاعدة الأساس بالنسبة للمعارضة هي أن تأتي حكومة ملتزمة بحماية لبنان من المخطط الأميركي ـ الإسرائيلي الذي تنفذه المحكمة الدولية وذلك عن طريق ثلاثة بنود صارت معروفة وسبق أن أقرتها قمة الرياض كما كرسها التحرك القطري ـ التركي، وهي تنص على إلغاء البروتوكولات الموقعة بين الحكومة والمحكمة الدولية، وإلغاء المساهمة اللبنانية في تمويل المحكمة وسحب القضاة اللبنانيين من لاهاي. هذه البنود التي سبق أن وافق عليها سعد الحريري، لن يجد الرئيس ميقاتي أو سواه من الوسط أي ضير في العمل بها من خلال إقرارها في مجلس الوزراء أما بقية المسائل والقضايا المتصلة بالعلاقات اللبنانية ـ السورية والوضع الاقتصادي والاجتماعي والتعيينات القضائية والأمنية والإدارية فهي من بديهيات الالتزام الحكومي. خامسا تمسك قوى 14 آذار بترشيح الحريري وبرفض المشاركة في أي حكومة لا يرأسها الحريري هو الدليل القاطع على منطق الاستئثار السياسي بالحكم، وهو ذروة التنكر لمبدأ تداول السلطة الذي يمثل بديهية ومسلمة رئيسية في أي صيغة ديمقراطية للحكم وهو الأصل في منطق المؤسسات. الوزن التمثلي الشعبي والسياسي للرئيس عمر كرامي وكذلك للرئيس نجيب ميقاتي وللأطراف والكتل التي ستشارك في الحكومة العتيدة، يدحض جميع مزاعم التهميش ويسقط كذبة الاغتيال السياسي التي سعى بها الحريري لاستعطاف الناس ولإثارة العصبيات المذهبية فما من سياسي ينتهي مستقبله إذا غادر منصبه الحكومي ليقال عندها انه تم اغتياله سياسيا أي شطبه من المعادلة . كأنما سعد الحريري تعود أن ينال ما يطلب دائما وبالتالي فهو يعتبر نفسه من طينة أخرى مختلفة عن زعامات كبيرة في الحياة الوطنية كالعماد عون الذي ارتضى ما فرضته المعادلة لجهة انتخاب سواه إلى رئاسة الجمهورية
أو الرئيس عمر كرامي الذي تصرف بكبر وشهامة من خارج الحكم بل ومن خارج مجلس النواب بعد المعركة الضارية التي شنت ضده في الانتخابات بالأموال وبالضغوط وبالتحريض الظالم، أو كالوزير فرنجية وغيره من القيادات الوطنية المعارضة الذين مارسوا عملهم السياسي من خارج البرلمان دون ضغينة وارتضوا نتائج انتخابات أقل ما توصف به هو التزوير والفساد. سادسا لا يحق لأي جهة سياسية وضع الناس في مناخ من الاستنفار والتحريض على العنف الطائفي وباستغلال رخيص لشعارات يطرحونها للاستعمال الرخيص و الابتزاز السياسي بما فيها شعار الحقيقة والعدالة ، الذي استغله الحريري سعيا إلى مكاسب باتت فضيحتها على كل شفة ولسان ، بعدما تكشف في ورقة مطالبه التي سلمها إلى الوفد التركي ـ القطري على أرض مطار بيروت وهي لم تتضمن كلمة واحدة عن الحقيقة والعدالة، بينما تكرست بنودها لحماية شهود الزور ولإدامة الهيمنة على السلطة بواسطة الأمن والقضاء والسياسات الاقتصادية المالية الفاسدة التي خربت البلد وأورثت ديونا وفسادا وفقرا.
جميع الضغوط الخارجية لن تفيد في حماية التطرف الحريري ـ الجعجعي وتمكينه من السيطرة على مسار الأحداث لأن المعارضة حازمة وعقلانية في آن معا تحترم الشراكة وتسعى لتدعيم الاستقرار في البلاد ولا تستقوي بأي جهة خارجية بينما تسلك الطرق الدستورية والسياسية في الدفاع عن لبنان وعن مقاومته بوجه محكمة نصبت رئيسها وقضاتها ومحققيها وكالة المخابرات المركزية الأميركية بدءا من ميليس و شريكه الرخيص ليمان وصولا إلى انطونيو كاسيزي ربيب الإرهابية المرتبطة بالأميركيين ، مريم رجوي ووكيلها القانوني. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق