Powered By Blogger

السبت، 12 نوفمبر 2011

الجزء الثاني من كتاب خليفة حفتر - التغيير بالقوة

الجزء الثاني من كتاب خليفة حفتر - التغيير بالقوة

من الجيش الوطني الليبي في 12 نوفمبر، 2011‏، الساعة 01:27 مساءً‏‏
ثانيا: دور القوات المسلحة بعد التغيير
1 خلال المرحلة الإنتقالية



إن المسارات المحتملة التي يمكــن أن تمر بها عملية التغيير في ليبيا لا تخرج عن مسارين اثنين:
الأول:المسار السياسي الذي ينبني على  اتفاق بين النظام الحكام والقوى الوطنية المعبرة عن الإرادة الشعبية على مبدأ التغيير، ومن ثم على الإجراءات والمراحل اللازمة لتنفيده حتى بلوغ غايته بتسليم مقاليد الأمور إلى الشعب.
الثاني: مسار القوة الذي سوف يلجأ إليه عند فشل المسار الأول والذي يستهدف إطاحة السلطة القائمة وإلغاء مؤسساتها وتولى مقاليد الأمور محلها. وفي السياق الذي نحن بصدده فإننا سوف نركز حديثنا على المسار الثاني لمحاولة تحديد ملامح رؤية معينة حول متطلبات وشروط ومراحل التغيير حتى بلوغ نقطة النهاية بتحقيق الهدف الوطني "الشرعية".
وفي الوقت الذي نتمنى مخلصين أن ييسر الله سبحانه وتعالى لقوى الشعب الليبي أن تنجز التغيير بالقوة دون الحاجة إلى إراقة الدماء أو الإقتتال والتنازع الطويل فإننا نرى أن عملية التغيير من منظور هذا المسار سوف يكون لها بالضرورة بداية ونهاية.
ولعلنا نستطيع أن نحدد البداية باللحظة التي يتم فيها إنهاء السلطة القائمة والإعلان عن تولي سلطة جديدة مقاليد الأمور، وأن نحدد النهاية باللحظة التي يتم فيها تسليم السلطة إلى مؤسسات دستورية منتخبة بحسب ما ينص عليه الدستور المقر من قبل الشعب. أما الفترة التي تفصل بين لحظتي البداية والنهاية فهي ما نطلق عليه تعبير "المرحلة الإنتقالية".
لقد درجت بعض القوى السياسية الوطنية التي تناولت عملية التغيير في ليبيا على الحديث عن مرحلة انتقالية يختلف حولها كثيراً أو قليلاً من حيث مدتها وطبيعة الإجراءات التي ينبغي أن تتم خلالها ولكننا نرى أن ثمة حاجة حقيقية لتناول مسألة "المرحلة الإنتقالية" على نحو أكثر عمقا وتفصيلا حتى يمكن بلوغ الدرجة المطلوبة من الوضوح والتحديد بما يساعد على بلورة ما يمكن أن نسميه "الرؤية الوطنية" التي يقع حولها إجماع أبناء الوطن وقواه السياسية وفئاته الإجتماعية.
نعتقد أن النقطة الأولى في هذا الإتجاه هي الإتفاق على أن محتوى ومضمون المرحلة الإنتقالية أهم بكثير جداً من شكلها وحجمها من حيث الطول أو القصر. فليس المهم في نظرنا أن تكون هذه المرحلة طويلة أو قصيرة بقدر أهمية كونها مبنية على رؤية سياسية متكاملة وعلى خطة عملية مدروسة بما يكفل مرور هذه المرحلة بين بدايتها وحتى نهايتها بأكبر قدر ممكن من الإنضباط والنظام ومن الإدراك الناضج لضرورات تغليب المصلحة الوطنية الإستراتيجية على أية مصالح خاصة أو ضيقة فردية أو فئوية أو غيرها. وكذلك الوعي بأهمية وإحسان ترتيب الأولويات والتدرج الدقيق في التعرض لها والأهتمام بمواجهتها.
ومن هنا وفي ضوء الإتفاق على أن غاية المرحلة الإنتقالية هي تمكين الشعب من قول كلمته وتحديد اختياراته ثم إقرار دستور البلاد وانتخاب مؤسساته ثم تسليم السلطة لتلك المؤسسات المنتخبة فإن محتوى هذه المرحلة يكون هو السعي لإيجاد السبل والمناهج والآليات والترتيبات القانونية المناسبة لتمكين أفراد الشعب وقواه الاجتماعية والسياسية من التشاور والتحاور حول ملامح وأسس النظام السياسي البديل الذي يفضلونه ويتطلعون إليه بهدف بلوغ درجة معقولة من تبلور الآراء واتضاح القناعات ونضج القدرات على اتخاذ القرار وحسم الإختيار.
نحن نعتقد جميعاً أننا سوف نكون بحاجة ماسة إلى وقت كاف نتيح فيه لأنفسنا أن نتعلم كيف نمارس التعبير عن آرائنا بحرية دون خوف من قهر السلطة الحاكمة أو سيف القمع والإرهاب المادي أو المعنوي ونتعلم كيف نتشاور ونتحاور فيما بيننا بطريقة حضارية سلمية مهما اختلفت آراؤنا واجتهاداتنا وأن لا نلجأ إلى إرهاب مخالقينا في الرأي أو استخدام أساليب العنف والقوة لمنعهم من التعبير عن آرائهم أو إرغامهم على التخلي عنها.
ونؤمن بأن إدراك القوى الوطنية لأهمية التأسيس الجيد لبناء دولة المؤسسات والحرية والديمقراطية سيتطلب أن يحدث هذا الإجماع الوطني الشامل الذي نتحدث عنه بين كل أبناء الوطن وكل قواه السياسية والإجتماعية مهما اختلفت رؤاهم واجتهاداتهم على تغليب مصلحة الوطن العليا والإستراتيجية وإيجاد السبل والأطر المناسبة ليتعاونوا ويسهموا إيجابيا في تحديد وتوضيح وإنضاج المبادئ الجوهرية الكبرى التي يتفق الجميع على اعتبارها الأسس التي سيقام عليها المجتمع الجديد الذي نطمح كلنا إليه.
في تقديرنا أن هذا سيتطلب من الجميع درجة عالية من النضج السياسي والحرص على تجنب وتأجيل الخلافات أو المواجهات في الفترة الإنتقالية التي ستكون الأولويات الوطنية الشاملة فيها هي الأولى بالتقديم والرعاية وإعطائها الأولوية على القضايا الخلافية التي تحتمل التأجيل إلى حين إنجاز عملية التأسيس الوطنية ونقل السلطات إلى المؤسسات الدستورية.
من هذا المنظور فنحن نرى أن دور السلطة في المرحلة الإنتقالية ينبغي أن يتركز على تقنين وتنظيم وإدارة عملية ممارسة التعبير عن الرأي سواء في إطار الأفراد أو في إطار الجماعات السياسية لضمان أن تتم هذه العملية بأكبر قدر من النظام والإنضباطية ولمنع أي شكل من أشكال الفوضى أو العنف ومن ثم فإن تدخل السلطة في هذه المسألة مسألة الحوار السياسي والتعبير عن الرأي سوف يتحدد بمقدار التزام الأفراد أو الأطراف المهتمة والداخلة في عملية الحوار السياسي باتباع أسلوب التعبير السلمي عن الرأي والإبتعاد عن أساليب الإرهاب والعنف. ونعتقد أن هذا المفهوم ينبغي أن ينطبق على سائر جوانب ومجالات الحياة المدنية في البلاد بحيث تترك إدارة هذه المجالات للعناصر المؤهلة بحكم الإختصاص العلمي والمهني بوحكم الخبرة والكفاءة لإدارتها على أفضل وجه ممكن  في الوقت الذي تلتفت فيه السلطة الإنتقالية للقيام بمهمة الحفاظ على النظام العام وحماية أمن المواطنين وردع أية محاولات أو توجهات من قبل الأفراد أو الجماعات للإعتداء على حرمات المواطنيين وحياتهم وممتلكاتهم ويكتسب هذا الأمر أهميته الخاصة بالنظر إلى حجم المشكلات والقضايا المعلقة التي سوف تورث عن السلطة السابقة في حالة وقوع التغيير عبر مسار القوة وبخاصة تلك القضايا ذات الصبغة الإنسانية والإجتماعية المتصلة بالثارات الشخصية ضد من ارتكبوا جرائم القتل والتعذيب أو استولوا على الممتلكات دون رضا أصحابها أو تعويضهم عنها التعويض العادل.
ونعتقد أن المهمة الكبرى والأكثر صعوبة التي يمكن أن تواجة أية سلطة تقوم بالتغيير هي مهمة التعامل مع هذا الجانب من تركة السلطة المنتهية. ينبغي في تقديرنا أن تستند تلك المهمة  على قناعة مبدئية راسخة بضرورة وحيوية أن يتم التعامل مع تلك التركة من منطلق الموضوعية والنزاهة والحرص المطلق على تحقيق العدل والبعد الحازم والتام عن الإندفاع العاطفي والنوازع الذاتية ومن ثم فينبغي أن لا يسمح للأفراد بالاندفاع للإنتقام أو الثأر لما قد يكون لحقهم من عدوان أو لاسترجاع ما استلب منهم من حقوق وممتلكات في الوقت الذي ينبغي أن تتخذ السلطة ما يلزم من إجراءات لطمأنة كل الناس بأن العدالة سوف تأخذ مجراها القانوني والمنظم من خلال السلطات القضائية المخولة للنظر في مختلف المظالم وإصدار الأحكام المناسبة بشأنها. وأننا نؤمن بأن هذا التوجه نحو تجسيد وتحقيق أكبر قدر ممكن من الحرص على العدالة المبنية على اعتبارات اساسية كمبدأ أن كل إنسان برئ حتى تثبت بالدليل القانوني إدانته بتهمة معينة ومبدأ أن أخذ الوقت الكافي للتبين والتثبت من الإتهامات أوعى لتحقيق العدالة وتجنب الخطأ في الحكم الذي يؤدي إلى الظلم.
أن هذا التوجه سوف يكون في نظرنا أكبر وأهم مؤشر على أن الشعب الليبي وفي مقدمته طليعته الواعية المسؤولة يتحول من نظام الإستبداد إلى تحقيق الحرية والديمقراطية ويتحول من حكم الظلم والإرهاب والقمع ليحقق العدالة والسلام والأمان وأنه حريص على أن لا ينجر بدوافع الغضب والحقد والرغبة في الإنتقام واسترداد المغتصب من الحوقو إلى ممارسة وارتكاب نفس المظالم التي ثار عليها ورفضها.
2-  خلال المرحلة الدستورية
تنتهي المرحلة الإنتقالية فيي اللحظة التي يتم فيها استلام المؤسسات المنتخبة السلطات (بحسب ما ينص عليه الدستور الدائم للبلاد) وتبدأ عندئذ ما يمكن تسميتها المرحلة الدائمةأو المرحلة الدستورية وبذلك تنتهي مهمة السلطةالمؤقتة التي قادت عمليةالتغيير وتولت إدارة أمور البلاد ويتعين على كل من شارك فيها أن يعود إلى موقعه الأصلي ومكانه الطبيعي مدنيا كان أو عسكرياً.
وفي الوضع الدائم يتولى الشعب حكم نفسه وإدارة شؤونه من خلال المؤسسات الدستورية التي يختارها ويخولها مختلف السلطات ويضع لها في الوثيقة الدستورية اختصاصاتها وصلاحياتها وينظم العلاقات فيما بينها.
وإذا كانت السلطات ذات الصبغة المدنية السياسية لا مفر من أن تتأثر وتخضع بشكل أو بآخر للاختلافات الآراء والإجتهادات والقناعات الفكرية والسياسية ومن ثم تكون مادة وموضوعاً للتنافس والصراع السياسي بين الأفراد والجماعات المنظمة (الأحزاب) وينظم الدستور من خلال التشريعات والقوانين الخاصة معايير وضوابط ذلك الصراع فإن ثمة سلطات تخرج بحكم طبيعتها واختصاصها عن هذا الإطار المدني السياسي وتبقي من ثم بمعزل عن مجال الصراع أو التنافس بين فئات الشعب لتقوم بمهمتها ذات الصبغة الوطنية الشاملة ونعني بها سلطات (الأمن والدفاع).
في هذا الصدد فإننا نرى التأكيد على قناعتنا المبنية على الدروس والعبر المستفادة من تجارب الشعوب عبر التاريخومن تجربة شعبنا الليبي خلال العقود الأخيرة بأهمية هذا الفصل بين القوات المسلحة أو "المؤسسة العسكرية" وممارسة الحكم والسياسة في منظور بناء المجتمع الديمقراطي القائم على الشرعية الدستورية المتجسدة في حكم الشعب والمؤسسات ففي مثل هذا المجتمع المستند في جوهره على اسس حرية الرأي ومبادئ التعايش السلمي بين الأفراد والقوى السياسية ذات القناعات والإجتهادات المختلفة يتحتم ألا يدخل طرفاً في العلمية السياسية إلا السياسيون الذين لا يحملون فيها سلاحاً  آخر غير الفكر والرأي والحوار والكلمة.
من هنا نؤمن بأن الأطراف التي يخولها المجتمع امتلاك سلطة الجبر القانوني (قوى الأمن) وامتلاك السلاح (قوى الدفاع) ينبغي من ناحية ألا يسمح بدخولها طرفاً في العملية السياسية لكي لا تختل موازنة التعايش السلمي بين الأطراف السياسية المتنافسة على شؤون الحكم والسلطة كما ينبغي من ناحية أخرى أن يكون انتماؤها للوطن وللشعب كله وتتحدد وظائفها بما يتصل بخدمة المصلحة الوطنية التي تعلو وتسمو فوق مصالح فئات الشعب أو طوائفه أو قواه السياسية والأجتماعية لضمان أن يتم التعايش السياسي في المجتمع بالأسلوب السلمي وألا يلجأ أطرافه إلى استخدام العنف والإرهاب ضد بعضها البعض ومن هذا المنظور فلعلنا نستطيع أن نحدد وظيفة القوات المسلحة في الجالات الثلاثة التالية:
أ- الدفاع عن سيادة الوطن وحرمة ارضه ضد الإعتداءات الخارجية.
ب. الدفاع عن وحدة البلاد ضد النزعات الجهوية أو الإنفصالية.
ج- الدفاع عن الشرعية الدستورية ضد محاولات الخروج عن مبادئ الدستور وضوابطه من قبل الأفراد أو الجماعات السياسية.
هذا مع التأكيد على ايماننا بضرورة أن تخضع ممارسة القوات المسلحة لهذه المهام لجملة من الضوابط والشروط التي يحددها الدستور وينص عليها. بحيث يمتنع فعليا أو على الأقل يكون خارجا على الشرعية تحريك أو استغلال القوات المسلحة دون الإلتزام بتلك الضوابط والشروط، والتقيد بالاجراءات القانونية المنصوص عليها في الدستور.Bookmark and Share

ليست هناك تعليقات: